فيلم زينب زهرة أغمات : تأريخ أم تزوير لمرحلة هامة من تاريخ المغرب
ذ. الكبير الداديسي - ميادين أسفي
عرفت الإنتاجات الدرامية التاريخية في السنوات الأخيرة
إقبالا كبيرا من لدن الجمهور المغربي والعربي عموما، فتابع المغاربة بشغف عددا من
الأعمال الدرامية السورية والتركية حول
شخصيات تاريخية كان آخرها مسلسل (حريم السلطان).. يتابع المغاربة تلك الأعمال وتجول
بجوانحهم أسئلة كثيرة من قبيل: متى يحين
وقت تصوير شخصيات من تاريخ المغرب الحافل؟ وفي النفس توق لمشاهدة أعمال ضخمة تكشف
بعض أسرار كواليس التاريخ المغربي برؤية فنية تعرّف المغاربة على تاريخهم التليد..
لذلك استحسن معظم المتتبعين فكرة تصوير فيلم عن زينب النفزاوية
التي كان لها تأثير كبير في تأسيس أول دول قوية في تاريخ الغرب الإسلامي...
كانت فكرة
الكتابة عن فيلم ( زينب زهرة أغمات )
للمخرجة فريدة بورقية، قد غامرتني عند
مشاهدته أول مرة ، لكني وجدت الفرصة مواتية
أكثر عندما عرضته إحدى القنوات التلفزية المغربية ليلة الأحد وأعيد عرضه ليلة الاثنين 21 يوليو
2014، مما سمح لأكبر عدد من المشاهدين متابعة هذا الشريط ، وهو ما قد تيح تفاعلا
مع ما سنطرحه ونناقشه..
عنوان الفيلم يوحي أنه قد يصور ما دار في كواليس حياة إحدى الشخصيات الهامة في
تاريخ المغرب الحافل بالأسرار.. وأنه قد يركز على المناظر الخارجية لما لها من دور في الأعمال التاريخية يعود
بالنفع على البلد سياحيا... كما كان متوقعا أن يكون الشريط ضخما من حيث عدد
الممثلين والكومبارس وتصوير المعارك لما عرفت به المرحلة من كثرة الحروب التي
صاحبت تأسيس الدولة المرابطية... وبغض
النظر عن المدة الزمنية للشريط (ساعة ونصف تقريبا) وعن الميزانية المخصصة للإنتاج
والإكراهات التي صاحبت إخراج فيلم لحيز الوجود ... لا بد من الإشادة في البداية
بفكرة تصوير الشريط، والدور المبذول في الإكسسوارات، والملابس ، مع الإشادة بالموسيقي
التصويرية التي أبدع في إخراجها عزيزي زيتوني.. و بدور الممثلين الرئيسيين خاصة
الممثلة الشابة فاطيم العياشي والمرحوم
محمد مجد... لكن قد يتفق معي الكثير من المشاهدين على أن المرحلة ، والشخصية
التاريخية محور الشريط كانتا تستحقان أحسن مما كان، خاصة وأن الأعمال التاريخية
تتطلب تدقيقا في المعلومات وتدخلا من المختصين والاطلاع على المصادر المؤرخة
للمرحلة ، واختيارا لممثلين مقتدرين... وقد خرجنا بعد مشاهدة الشريط بعدة ملاحظات نجمل أهمها في ما يلي:
-
عدم التدقيق في بعض الأحداث التاريخية : فالشريط يبدأ بمشاهد للقوافل التجارية وسرد الأب لابنته زينب حكايات عن رحلاته بين
المغرب والمشرق ويذكر كيف تخلصوا من قطاع الطرق بعد أن أوهم مرسول القافلة القطاع
أن القافلة التي (كانت متجهة إلى مركش قد غيرت وجهتها واتجهت نحو السودان ..) والكل يعلم أن مراكش لم تؤسس إلا مع يوسف بن
تاشفين ، لم يكن لها اثر قبل ذلك ، ولا كانت مركزا تجاريا تتجه إليه القوافل...
-
التركيز في حياة زينب النفزاوية أثناء الإخراج على ذكاء زينب و تعدد زواجها ( تزويجها للشيح الوطاسي، زواجها من
حاكم أغمات، زواجها من أبي بكر اللمتوني ، وزواجها من يوسف بن تاشفين) أكثر من التركيز على أفعالها التي تركت بصمتها
في فمعظم الأحداث التي ارتبطت بالبطلة ، مما أسقط الفيلم في دائرة أفلام مثل كيد النساء
، عائشة الذويبة .. وأبعده عن الفيلم التاريخي ...
-
المشهد الذي التقت فيه زينب بأبي بكر ويوسف بن تاشفين ، يوهم المشاهد أن
أبا بكر اللمتوني لم يتزوج زينب ولم يدخل بها قط ، إذ اختارت المخرجة أن يتنازل
لابن عمه يوسف عن زينب في ذات اللقاء الأول.. وكل المصادر تؤكد أن زينب تزوجت
الأمير المرابطي أبا بكر اللمتوني وقضى معها
حوالي ثلاثة أشهر يقول صاحب الاستقصا لدول المغرب الأقصى: ( كان أبو بكر اللمتوني
قد تزوج زينب النفزاوية وكانت بارعة في الجمال والحسن .. حازمة لبيبة ذات عقل رصين
ومعرفة بإدارة الأمور حتى كان يقال لها الساحرة فأقام أبوبكر عندها بأغمات نحو
ثلاثة أشهر ...) [1]
وهو ما يؤكده صاحب الأنيس المطرب بروض القرطاس وإن حدد المدة في ( نحو الشهرين ) [2]
لكن المخرجة وكاتب السيناريو لم يشيرا لذلك
-
بين الشريط أن بناء مراكش كان بعد أن سافر أبو بكر في غزواته إلى سوس
وتنازله عن زينب لابن عمه، وهو ما تختلف حوله المصادر ... إذ أكد الكثير منها أن اللبنات الأولى لمراكش كانت بأيدي أبي بكر ، فيما
يحسم الشريط في كون أبابكر لم يشهد عملية البناء ولم يشارك فيها ...
-
يعد لقاء يوسف بن تاشفين وابن عمه
أبي بكر بعد عودة هذا الأخير من الصحراء لقاءا هاما خصته معظم مصادر تاريخ المغرب
بأهمية بالغة ، وإذا كان الشريط كما في المصادرالتاريخية قد ركز على تصوير اللقاء
والزعيمان على صهوة جواد يهما.. وتطبيق يوسف لنصائح زينب النفزاوية بعدم الترجل .. فإن الاتفاق على ترك السلطة ليوسف لم يكن على
ظهور الجياد وفي ذلك يقول صاحب القرطاس: ( ... فنزل يوسف، ونزل الأمير أبو
بكر ففرش لهما فراش فقعدا عليه فقال يا
سويف .... ) نحن نسجل الحدث فقط أما الحوار فللسيناريست وكاتب الحوار كامل الصلاحية لتكييفه حسب
مقصديته
-
الفيلم لم يوفق في اختيار شخصية يوسف بن تاشفين إذ أظهره الشريط مسالما
ضعيف الشخصية، كما تأنقت المخرجة في لباسه ،فيما يكاد يجمع كل المؤرخين على أن
(لباسه الصوف ولم يلبس قط غيره ) [3]
فألبسته ملابس قطنية سواء في العباءة الزرقاء التي ظهر فيها أثناء وضع اللبنات
الأولى لمراكش أو في الثياب القطنية التي استقبل بها أبا بكر اللمتوني عند عودته
من الصحراء أو في اللثام الذي ظل يغطي به
رأسه طيلة أحداث الفيلم ...
-
الشريط صور في
مشاهده الأولى زينب تتحرك في الفضاء بين الخضرة والنافورات لما كانت في بيت
أبيها ، وبيت زوجها الأول الشيخ الوطاسي ، وبيت زوجها الثاني حاكم أغمات.. في
المقابل تم التركيز على الشخصية وحدها ( ZOOM) دون فضاء بعد زواجها بيوسف
بن تاشفين فظهرت كأن وضعها الاجتماعي تقهقر وهي عند أمير المسلمين مما كان عليه
لما كانت في بيوت غيرها، فلم تظهر عليها آثار النعمة بعد زواجها بيوسف .. ولم
تبرز في أي مشهد كزوجة لأمير المسلمين...
لا من حيث اللباس ولا من حيث الفضاء الذي تتحرك فيه
-
الشريط يحكي عن
مرحلة تأسيس الدولة المرابطة، وهي مرحلة تميزت بكثرة المعارك، والحروب في محاولة المرابطين لتوحيد بلاد المغرب...
لكن المخرجة لم تكلف نفسها عناء تصوير ولو مشهد واحد يبرز تلك المعارك والجيوش ، والعتاد
الحربي واكتفت بتصوير يوسف يشحذ سيفه .. وبعض الفرسان أثناء لقاء يوسف لأبي بكر
... والأكيد أن هذا التقصير وإن كنا نعرف أنه تتحكم فيه الموارد المالية المخصص
للفيلم التي لم تتجاوز 400 ألف درهم مقدار
منحة المركز السينمائي المغربي، وهو دعم لا يلبي حاجيات فيلم تاريخي
يتطلب تصوير معارك وتوظيف خيول وأسلحة وغيرها من الوسائل التي تعطي للأفلام
التاريخية وزنها التاريخي...
-
اعتاد المشاهد
العربي مشاهدة أفلام تاريخية باللغة العربية الفصحى، وتصوير (زينب زهرة أغمات)
بالدارجة المغربية يجعله حبيس الجمهور المغربي، ويقلل من فرصة انتشاره عربيا،
رغم دبلجة الحوار بالفرنسية.. ذلك أن كتابة الدبلجة لم تكن بالمستوى الجيد كما
لم يكن جنيريك النهاية واضحا للمشاهدين، كتب بالفرنسية وبخط رقيق جدا لم يسمح
للمشاهد بأخذ أية فكرة عن الطاقم الفني الذي ساهم في هذا العمل وهذا سبب عدم إشارتنا
للخصائص الفنية الأخرى من سكريبت، مونتاج، إضاءة، صوت، ملابس ... وجعل ملاحظاتنا
موجهة بالأساس نحو الإخراج..
ومهما يكن فإن فيلم (زينب زهر أغمات) لمخرجته فريدة بورقية سيكون إضافة
نوعية للسينما المغربية التي عليها ألا تنسى دورها التنويري والتعريف بتاريخ المغرب
ورجالاته ونسائه، بإلقائها الضوء على شخصية
ومرحلة هامتين في تاريخ المغرب الوسيط.. وأن مثل هذه الشخصية ومثل هذه
المرحلة تستحق مسلسلا ضخما في عدة حلقات ويصعب اختزالهما في دقائق.. ذلك أن زينب
النفزاوية استحقت من المؤرخين مئات الصفحات فقد قال فيها ابن خلدون( كانت إحدى نساء العالم المشهورات
بالجمال والرياسة) كتب فيها ابن الأثير في الكامل (كانت من أحسن النساء
ولها الحكم في بلاد زوجها ابن تاشفين) كما أورد الناصري صاحب الاستقصا قوله
(كانت عنوان سعده( يقصد يوسف)والقائمة بملكه والمدبرة بأمره الفاتحة عليه بحسن
سياستها لأكثر بلاد المغرب)
لكن للأسف الشديد الفيلم لم يعط
لمرحلة حياة زينب ويوسف بن تاشفين الأهمية التي تستحق فلم تلتق زينب بيوسف إلا
بعد مرور أكثر من ثلثي الشريط ، والخمس والعشرين دقيقة المتبقية من الشريط كانت غير
كافية لإظهار الصورة التي وردت بها زينب في مختلف المصادر، كما أن الشريط توقف
قبل خروج يوسف للأندلس وانتصاره في الزلاقة، وكان يستحسن تصوير كيف تفاعلت زينب
مع جوازات يوسف الأربع للأندلس، وكيف أثرت تلك الانتصارات على ولي العهد علي بن
يوسف ، وكيف غرست الأم أصول الحكم والسياسة في ابنها الذي لم يذكر اسمه نهائيا
في الشريط.. كما كان من المستحسن تصوير خر حياتها... كان هناك بعض القصور في
الماكياج إذ لم تتغير ملامح زينب طيلة الفيلم وظلت ملامحها هي هي دون أن يظهر
عليها تأثير الزمن باستثناء الحمل... أن كل مشاهدي الفيلم لم يعرفوا هل ماتت
زينب في عهد حكم زوجها، أم في عهد حكم ابنها علي بن يوسف..
كان على الشريط استغلال هذه
الشخصية لإبراز مكانة المرأة في تاريخ المغرب وربط ذلك بالحاضر.. وهو ما غيب
رؤية المخرجة في المادة التي قدمتها وكأنها اكتفت بنقل أحداث دون أن تكون لها أية
قراءة للتراث انطلاقا من الواقع كما فعل معظم من قدموا أعمالا تاريخية سينمائية
كانت أو تلفزية..
|
فيلم زينب زهرة أغمات : تأريخ أم تزوير لمرحلة هامة من تاريخ المغرب
بواسطة Unknown
on
11:03 ص
القسم:
ليست هناك تعليقات: