تحقيق صحفي حول المساحات الخضراء بأسفي
* تحقيق صحفي لنادي الصحافة والإعلام في إطار مشروع مدرسي تحث تأطير الأستاذ الكبير الداديسي
إن الزائر لمدينة آسفي قد يعجب بحسن انتظام شوارع المدينة وتشجيرها وكثرة
اليافطات التي تعلن فيها عدة أطراف اهتمامها بالبيئة وبالفضاءات الخضراء خاصة ، لكن
ما أن يستمع لهمس السكان وجمعيات المجتمع المدني حتى تطالعه صور مختلفة تماما ، واقتناعا من فريق التحقيق
بأن الفضاءات الخضراء بالمدينة ملك للجميع
، وحمايتها مسؤولية الجميع حرص وهو يخوض غمار هذا التحقيق أخذ رأي كل من له صلة مباشرة
بالفضاءات الخضراء بمدينتنا آسفي، وطرق كل الأبواب رافضا الانطلاق من الأحكام المسبقة
و الجاهزة، هكذا سنميز في الجهات التي استهدفها ميكروفون التحقيق بين ثلاثة أصناف هي
: المسؤولون المحليون بمختلف مراتبهم من أعلى القمة إلى أدنى مسؤول ، المنتخبون محليا
جهويا ووطنيا وأخيرا المجتمع المدني قبل أن
ننزل للميدان لمقابلة السكان ومعاينة الواقع ،وكلنا أمل أن تكون قراءتنا موضوعية .
كانت وجهتنا الأولى مساءلة من أوكل إليهم إيجاد، تدبير وهيكلة الفضاءات الخضراء
فسألنا السيد عبد الله بن ذهيبة والي جهة دكالة
عبدة عامل إقليم آسفي عن واقع المساحات الخضراء بآسفي ودور الولاية والعمالة في خلق
وحماية الفضاءات الخضراء فصرح لنا أن السلطات المحلية تجعل البيئة من أولى اهتماماتها
ليوجهنا نحو المصالح المختصة .
بعد ذلك قصدنا رئيس قسم البيئة السيد عبد السلام أخوان في مكتبه و بحضور موظفي القسم وقدم
لنا وصفا دقيقا لحالة الفضاءات الخضراء بمدينة آسفي والأشغال المزمع إنجازها على المدى
القريب والمتوسط محددا المساحة الإجمالية للفضاءات الخضراء بالمدينة في 160 هكتار أي
بمعدل 4.5 م ² للفرد الواحد وهو معدل إن بدا
لابأس به مقارنة مع عدد من المدن المغربية يظل ـ في نظره ـ معدلا ضعيفا إذا ما قورن
بالمعدل
العالمي :(12m²/ habitant ( وحاول تبرير تدني هذا المعدل بقلة الموارد المالية محددا مجموع ما
يخصص لشراء الأغراس والبذور في 50 ألف درهم في السنة إضافة إلى قلة الموارد البشرية
وضعف تكوينها إذ لا تشتمل المدينة حاليا سوى على 19 بستانيا ( jardiniers) رغم أن مجلس المدينة يدفع راتب 120 موظفا، التحق أكثر من مائة منهم
بوزارات وقطاعات أخرى هربا لأن البستنة تتطلب الجهد والتقنية ، إضافة إلى مشكل آخر يتعلق بالري إذ يتم سقي كل
المغروسات حاليا بالماء الصالح للشرب بعد أن
تعطلت الآبار الثلاثة التي كانت توفر ماء الري في السنوات الأخيرة، مما يكلف ميزانية
المجلس غاليا وينذر بتفاقم الأزمة مستقبلا ، محملا المسؤولية في هذا التفاقم إلى التخريب
الذي تتعرض له حدائق المدينة سواء جراء الرعي الجائر أو قطع الأشجار وزحف الإسمنت وغياب
ثقافة بيئية ، وهو ما أكده السيد عبد الجليل سطيح
المهندس المشرف على المساحات الخضراء بقسم البيئة ..
وفي إطار البحث عن المسؤول في تكريس هذه الثقافة البيئية توجه فريق التحقيق
إلى عدد من نواب الوزارات المهتمة بالثقافة
فاتصلنا بالسيد مولاي مصطفى الجرموني نائب وزارة التربية
الوطنية بآسفي الذي أكد أن النيابة تقوم بدور توعوي وتنظم حملات تحسيسية داخل المؤسسات
التعليمية مع بعض الشركاء متفائلا بمستقبل المساحات الخضراء في المدينة. وهو ما ذهب
إليه السيد سعيد الشمسي مندوب وزارة الثقافة
الذي اعتبر حالة المساحات الخضراء مستقرة داعيا إلى اعتبار الحفاظ على المساحات
الخضراء والمواقع الطبيعية والأثرية مسؤولية الجميع . هذا وقد صرح
السيد كمال المدرعي مندوب وزارة البيئة سابقا ورئيس اللجنة الجهوية للبيئة حاليا أن واقع المساحات الخضراء وإن كان غير مُرض فإنه
ليس كارثيا داعيا إلى جعل الأولوية هي الحفاظ على معدل 4م² للفرد محروسة وجيدة بدل
إضافة مساحات أخرى غير محروسة ، مع اعتذار مندوب وزارة التجهيز عن إبداء رأيه بدعوى
وجود أطراف أكثر قربا من البيئة .ولنستكمل حلقة المسؤولين توجهنا للعاملين في الميدان فكان لنا لقاء مع السيد مجيد روديس المسؤول عن الأغراس و لقاء مع حارس المشتل البلدي الذي يزود الفضاءات
الخضراء بكل ما تحتاج من فسائل وشتلات وعكس كل المسؤولين الكبار أكدا لنا أن المساحات الخضراء في تراجع محددين الأسباب
في ضعف الموارد المالية والبشرية واللوجيستيكية .
ولن
تكتمل رؤية المسؤولين إلا بالتعرف إلى آراء المنتخبين الذين اختارهم السكان ليمثلوهم في المجالس
المحلية ،الجهوية والوطنية : اتصلنا بالسيد محمد كاريم بصفته رئيس مجلس المدينة وقال:
إن المجالات الخضراء أمانة في أعناقنا وأن مجلس المدينة يؤدي المسؤولية بكل أمانة مع
شركائه ، مقدما مثالا بالشراكة مع معمل الإسمنت ومع المكتب الشريف للفوسفاط وتتضمن
هذه الشراكة غرس مليون شجرة ، كما استعرض تفاصيل برنامج عملية ربيع آسفي في دورتها
الثامنة ، وتشجيع السكان على الاهتمام بالبيئة
من خلال تنظيم مسابقة أحسن فضاء مزهر، وهو
الرأي الذي سار عليه معظم المنتخبين..
ولا يمكن التقاط الصورة كاملة ما لم يتم الاستماع للمجتمع
المدني والجمعيات المهتمة بالبيئة في المدينة إذ اتصلنا بعدد كبير من الجمعيات تكاد
تجمع كلها على تراجع المساحات الخضراء بمدينة آسفي، متهمة المجالس المتعاقبة على تسيير
شؤون المدينة ، والتي
لم تلتزم باحترام ما تنص عليه القوانين الوطنية والمواثيق الدولية بخصوص البيئة
والمساحات الخضراء، ومحملة معامل المدينة خاصة
معامل المكتب الشريف للفوسفاط مسؤولية التلوث الذي يهدد كل الفضاءات الخضراء ...
ونظرا لإشارة عدد من المسؤولين لدور الشركاء فقد تعذر
علينا بعد عدة مكالمات الاتصال بإدارة إسمنت المغرب، فيما اتصل فريق التحقيق بإدارة
المركب الشريف للفوسفاط واستقبلنا السيد أحمد
الصديق المسؤول عن قسم التنمية المستدامة بالمجمع ، وبين لأعضاء الفريق الدور الذي يلعبه المجمع في خلق فضاءات
خضراء والحفاظ على ما هو موجود ؛إذ أقر أن المجمع تكلف بإنشاء حدائق منها حديقة الشعبة
وساهم في تشجير شارع محمد الخامس،(وبما أنكم تلاميذ أخبركم أن المجمع تكلف بتهيئة الفضاءات الخضراء بعدة ثانويات تأهيلية)
وبعد رصد الآراء
والمواقف خرج فريق التحقيق للميدان في محاولة لمقارنة ما صرحت به كل الجهات المستجوبة
حول حدائق المدينة وفضاءاتها الخضراء بما يوجد في الواقع ، فقام فريق التحقيق بزيارة
ومعاينة كل حدائق المدينة وفضاءاتها الخضراء
فاستنتج أن بالمدينة وعاء أخضر ومساحات مسيجة وغير مسيجة بها غطاء نباتي متنوع
معظمه من الأشجار، وأن عددا من هذه الفضاءات مؤهلة لتشكل متنفسا وفضاء تقصده العائلات،
لكن معظم تلك المساحات تشكو الإهمال، مما جعلنا نشبه هذه الفضاءات بفتاة جميلة تتعرض لاغتصاب جماعي وعلني أمام أعين
الجميع ويتناوب على هذا الاغتصاب المسؤولون
، الساكنة ومواشيها إذ عاين الفريق مواشي يستبيح
مربوها فضاءاتنا الخضراء دون مراعاة حرمة وخصوصية أي فضاء كما أن قلة الموارد البشرية
من حراس وبستانيين ... حول معظم هذه الفضاءات إلى مأوى للمتشردين والمنحرفين فغدت مصدر
إزعاج وخوف لمعظم مجاوريها مما حدا بالسلطات
المحلية إلى إغلاق بعضها .
كما اكتشف الفريق أن الجهات المسؤولة تساهم في هذا الاغتصاب؛ إما بكراء بعض المساحات
الخضراء لتنظيم بعض المهرجانات الموسمية أو الدائمة أو تحويل عدد من المجالات الخضراء
إلى مؤسسات عمومية أو مؤسسات ذات منفعة منها
على سبيل الذكر بناء مقاطعة في جزء من حديقة في حي سيدي بوزيد ، بناء مؤسسة لرعاية
ذوي الاحتياجات الخاصة على أنقاض حديقة زيتون و بناء مركب تجاري فوق مساحة خضراء بحي
الباهية .وتحويل الفضاء الأخضر الوحيد بحي أناس إلى بناء ملحقة إدارية ومركب اجتماعي
..وهذه بعض المؤسسات التي شيدت على أنقاض مساحات خضراء
ومن مظاهر اغتصاب
السلطات المحلية لهذه الفضاءات كراء حدائق ومساحات خضراء لخواص ولعل أهم ما
يوضح ذلك كراء جانب مهم من حديقة محمد السادس لصاحب مشروع حوله فضاء لعب الأطفال فيما
تم تهميش الجانب الأخر فنبتت فيه الأعشاب البرية وصار مرتعا للمنحرفين والمتشردين ،
كما تم تبليط عدد من الساحات الخضراء .
وقبل إغلاق ملف هذا التحقيق أخذ فريقنا رأي عدد كبير من سكان مدينة آسفي ، وجهت لهم أربعة أسئلة هي: هل أنت راض على حالة الفضاءات الخضراء بمدينتك
؟ من هو المسؤول الأول على حماية هذه الفضاءات ؟ هل حال المساحات الخضراء في تراجع
أم في تحسن ؟ ما الحل الذي تقترح لتحسين مساحاتنا الخضراء ؟ فكانت أجوبة أزيد من
90 % غير راضية على واقع المساحات الخضراء بالمدينة . وأكد حوالي 75% أن هذه المساحات
في تراجع . وكانت النسبة متقاربة بين من يحمل المسؤولية للمواطنين ومن يحملها للمسؤولين
، فيما طالب أغلب المستجوبين بتجريم الاعتداء على الفضاءات الخضراء والتركيز على الحملات
التوعوية والتحسيسية ، والزيادة في الميزانية
المخصصة للبيئة وربط المسؤولية بالمحاسبة .
وبعد هذه الجولة عبر مختلف الإدارات والفضاءات تبين
أن كل طرف يرمي المسؤولية على الطرف الآخر فالمسؤولون يؤكدون قيامهم بواجبهم ويحددون المخاطر التي تهدد
فضاءاتنا الخضراء في غياب ثقافة بيئية وفي التخريب الذي تتعرض له الفضاءات الموجودة ، فيما يلقي المواطنون والمجتمع المدني المسؤولية
على كاهل المسؤولين عن القطاع . ونحن في الختام
نعلن أن المسؤولية مشتركة وندعو كافة الأطراف قائلين : إذا كنتم غير قادرين
على تحسين فضاءاتنا ومساحاتنا الخضراء فحافظوا عليها ـ على الأقل ـ كما سلمها لكم سلفكم لتسلموها للخلف
، فهي مجرد أمانة وحفظ الأمانة واجب .وإذا كان من حقنا استغلال الموارد المتاحة فمن
الواجب التفكير في حاجيات الأجيال القادمة في
إطار تنمية مستدامة .
تحقيق صحفي حول المساحات الخضراء بأسفي
بواسطة Unknown
on
3:05 م
القسم:
ليست هناك تعليقات: