رواية ساق البامبو: إسكات،تمييز أم خوف من مجتمع هجين؟؟
ذ. الكبير
الداديسي - ميادين أسفي
إطار متابعتنا لروايات الجائزة العالمية للرواية
العربية ( البوكر) وبعد سلسلة مقالات حول الروايات الفائزة ، والمرشحة ضمن اللائحة
القصيرة نعود اليوم لرواية ( ساق البامبو)
للروائي الكويتي سعد السنعوسي المتوجة بالجائزة سنة 2013 وهي أول رواية كويتية
تفوز بهذه الجائزة، وثاني رواية خليجية بعد رواية ترمي بشرر للروائي السعودي عبد
الخال التي سبق لها الفوز سنة 2010، وقد
لقيت رواية ساق البامبو حظوة عند قرائها مما يفسر كثرة الطبعات التي طبعت
الرواية في سنة واحدة (12 طبعة ما بين ماي
ودجنبر 2013)...
قراءة خارجية للرواية: صدرت الرواية عن الدار العربية للعلوم والناشرين ماي
2013 في 396 صفحة، موزعة على خمسة فصول متفاوتة الحجم، كل جزء مقسم
إلى مشاهد مرقمة ابتداء من واحد وهذه الأجزاء هي :
· الجزء الأول :عيسى قبل
الميلاد من الصفحة 15 إلى الصفحة 51 موزع على ثماني مشاهد
· الجزء الثاني : عيسى
بعد الميلاد . من الصفحة 53 إلى الصفحة
128 موزع على 20 مشهدا
· الجزء الثالث عنوانه
عيسى ...التيه الأول . من الصفحة 129 إلى الصفحة 181 وهو موزع على 11 مشهدا
· الجزء الرابع عنوانه :
عيسى .. التيه الثاني من الصفحة 183 إلى الصفحة 290 موزع على 21 مشهدا
· الجزء الخامس عنوانه :
عيسى .. على هامش الوطن من الصفحة 291 إلى الصفحة 389 موزع على 16 مشهدا
· الفصل الأخير عنوانه :
أخيرا عيسى إلى الوراء يلتفت من الصفحة 393 إلى الصفحة 396
لعل أهم ما يثير متصفح هذه
الرواية في غلافها الخارجي هو
عنوانها الغريب، وهو عنوان يكتشف مدى الدقة في اختيار( العنوان
المناسب ) وينم عن حسن اختيار عنوان معبر أصدق
ما يكون التعبير عن حالة بطل يشعر أن لا جذور له ، ليكون (ساق البامبو) عتبة كاشفة
للمتلقي كلَ ما يحتمل أن يتضمنه المتن الحكائي للرواية، وبذلك يبرز لماذا اهتمت
الدراسات الحديثة بالعناوين وجعلت منها أحد أبرز مجالات اهتماماتها . ترى فيه مدخلا قرائيا قد يختزل مضمون التجربة برمتها
،إلى درجة أن البعض جعل الاهتمام بالعنوان
علما خاصا موضوعا ومنهجا وجهازا
مفاهيميا (TITROLOGIE ) . فجيرار جينيت يعتبر العنوان عتبة ذات
سياقات ودلالات ووظائف لا تنفصل عن بنية العمل الفني . والعنوان كما يرى رولان
بارت هو صاحب الدور الأول في إكساب المتلقي معرفة بالنص . فإذا كان العنوان
العلامة التي تسمي الكتاب وتميزه ،و بطاقة
هوية الكتاب ( فلا كتاب بدون عنوان ). فإن
اختيار العنوان لا يخلو من قصدية قد تكلف المؤلف وقتا وجهدا كبيرين قبل إخراجه ليصبح بنية دلالية وسميائية
وتوجيهية... وإشهارية عامة للنص .
تميزت رواية ساق البامبو بكون عناوينها مشحونة بالدلالات الرمزية، سواء
تعلق الأمر بعنوان الرواية أو عناوين أجزائها: ف (ساق البامبو) النبات الذي ينبث
دونما حاجة لجذور كان تعبيرا دقيقا لوصف هوية البطل الذي ظل طيلة مسار أحداث
الرواية يشعر أن لا جذور له .. وقد ورد هذا العنوان ضمن الرواية في مناسبتين :
الأولى في الصفحة 94
عندما عبر هوزيه عن إحساسه في أمنيته في إحدى لحظات فقد الأمل بموطن أمه : (ولكن، حتى الجذور لا تعني شيئاً أحياناً لو كنت مثل شجرة البامبو.. لا
انتماء لها.. نقتطع جزءاً من ساقها.. نغرسه، بلا جذور، في أي أرض.. لا يلبث الساق
طويلاً حتى تنبت له جذور جديدة.. تنمو من جديد.. في أرض جديدة.. بلا ماضٍ.. بلا
ذاكرة.. لا يلتفت إلى اختلاف الناس حول تسميته.. كاوايان في الفلبين.. خيزران في
الكويت.. أو بامبو في أماكن أخرى ...
والثانية: في الصفحة 383 يعبر عن نفس الإحساس بموطن أبيه يقول ( شعرت فجأة أن هذا المكان ليس مكاني، وأنني كنت
مخطئاً لا بد حين حسبت ساق البامبو يضرب جذوره في كل مكان)
عنوان الرواية إذن ورد مرتين مرتبطا بنفس الإحساس ، وإن
اختلفت الأمكنة الجغرافية ( الفليبين/ الكويت) والأمكنة القرائية داخل الرواية (
بداية الرواية / نهاية الرواية )
وكذلك كانت العناوين بين دفتي الكتاب تبدو حبلى بالإيحاءات
والدلالات: ويكفي أن يقرأ القارئ – مسلما كان أو غير مسلم - عناوين مثل (عيسى قبل
الميلاد، وعيسى بعد الميلاد) ليتناسل أمامه ما يكفي من الدلالات الدينية الثقافية
والتاريخية ونحن هنا في مقال قصير لا يستوعب الوقوف عند كل دلالات العناوين
وإيحاءاتها...
وعند الغوص في تفاصيل متن الرواية
يلاحظ أنها تتناول موضوعا هاما بالنسبة لدول الخليج يشكل وصمة عار لكل من يسمع عن
مواطنين من الدرجة الثانية، أو مواطنين دون أن يكون لهم الحق في الانتساب لوطنهم..
بالإضافة إلى انفتاح الرواية على مركزية أخرى تحوم حول التيمة المركزية كتيمات الجنس
الهوية، الثقافة ،السياسة، النظر للآخر ،الدين....
إن الرواية جعلت من البحث عن
الهوية تيميتها المركزية من خلال سيرة السارد عيسى الذي كان نتيجة زواج مختلط بين الكويتي راشد
الطاروف و الفيليبنية جوزافين بنت مندوزا .. مما طوح بالابن في مسار حياة يعج
بالتناقضات: جغرافيا( بين الكويت والفيلبين) دينيا ( بين المسيحية، البوذية
والإسلام ) فكريا ( بين التحرر والمحافظة) اقتصاديا (بين الفقر والغنى) ، اسما
(بين عيسى، هوزيه) ... بأسلوب مبني على
التقابل بين النقيضين، بعيد عن التعقيد والخيال، ينحو إلى تعميق البسيط ، والنبش
في المسكوت عنه في هوية الخليجي والكويتي خاصة..
اتخذ المبنى الحكائي لأحداث الرواية مبنى
دائريا . إذ انتهت الرواية بعد مسار طويل إلى نقطة النهاية : انتهت بنفس فقرة
البداية( اسميjose هكذا يكتب ، ننطقه في الفيليبين ،كما في الإنجليزية
هوزيه. وفي العربية يصبح،كما في الإسبانية خوسيه، وفي البرتغالية يكتب بالحروف
ذاتها ولكنه ينطق جوزيه،أما هنا في الكويت فلا شأن لكل تلك الأسماء باسمي حيث هو
عيسى ... !)
بداية ونهاية متشابهتان،
تجمع بينهما معاناة أسر وأشخاص مع الهوية في الكويت: فالرواية تختزل قصة شاب ولد من خادمة
فليبينيّة (جوزافين ) التحقت خادمة لدى
عائلة كويتيّة تنحدر من أصول عريقة في البلد ؛ مكونة من أم (غنيمة) لها ثلاث بنات
( عواطف نورية وهند ) وابن وحيد هو المعول عليه في الاحتفاظ باسم العائلة واستمرار
نسلها ، أحب هذا الشاب فتاة كويتية جامعية ، لكن أمه اعترضت ورفضت زواج ابنها
الوحيد من الفتاة التي اختارها قلبه بدعوى
أنها لا تناسب العائلة.. وأمام الفراغ
العاطفي الذي وجد نفسه فيه وهو الإنسان المثقف، كانت كل الظروف مهيأة ليدخل في
تجربة عاطفية مع الخادمة، انتهت بزواج عرفي موثق نتج عنه حمل ، في محاولة لوضع
الأم أمام الأمر الواقع، وعلى الرغم من كون الواقع لا يرتفع، فإن الأم (غنيمة)
أصرت على إجهاض هذا الزواج، وأصرت على ضرورة
تخلي الزوج عن زوجته وابنه ، ومحاولة إسكات الأم بما تريد من المال ، أو
نسبة الابن لأحد الخدم من الرجال.وإغراء راشد بتحقيق كل طلباته بما فيها تزويجه
بمن يحب قالت له الأم: ( فتاة الجامعة .. تلك .. أخطبها لك .. يوم غذ لو أحببت..
)ص 44 محاولة إقناعه بكون الاعتراف
بالوليد يشكل وصمة عار للأسرة في مجتمع محافظ أبناؤه معروفون .. وأمام إصرار راشد
على الاحتفاظ بزوجته وابنه ( لن تسافر وهي تحمل قطعة مني ..) اضطرت الأم (غنيمة ) إلى طردهما من البيت :( أخرج من بيتي.. خذ هذه
السافلة .. وكتب المجانين التي أفسدت عقلك ..)
كان شهما، اكترى شقة صغيرة، وبقي إلى جانب
زوجته إلى أن أنجبت عيسى، وساعدهما على العودة لوطنها الفلبين، ليعيش البطل "هوزيه" أو "عيسى" في مانيلا
عاصمة الفلبين حياة فقيرة بين أفراد أسرة
معظمها لقطاء على أمل أن يعود يوما إلى موطن أبيه الجنّة (الكويت) على حد وصف أمه فكانت حياته هناك مرحلة انتظار وبحث عن الذات
والهوية فاختلطت عليه الأوراق ولم يعد يعرف لنفسه اسما واحدا. ولا ديانة واحدة ولا
وطنا واحدا .. في أسرة شبه مفككة: الجد (مندوزا) لا يعرف أصله مهووس بمصارعة
الديكة مستعد لصرف كل ما يملك من أجلها ولو دفع بناته للدعارة، أم سافرت للخليج من
أجل تأمين مصاريف الحياة.. خالة من بائعات
الهوى.. وحتى ميرلا ابنة خالته – التي لا تعرف أباها الأوروبي - والتي تعلق بها اكتشف أن الدين في الفيليبين
يمنع زواجهما.... ويزداد حرصه على البحث
عن جذوره الكويتية من خلال ترصد الكويتيين في الفليبين لينتهي به البحث إلى اكتشاف
أن والده قد فارق الحياة بعد أسره في حرب الخليج عقب غزو العراق للكويت ... يتحقق حلمه وحلم أسرته الفيليبينية ...ويتمكن
من العودة إلى الكويت بتدخل من غسان
صديق والده... ويجد نفسه في عالم
مختلف تماما عما كان يحلم به ،
وقد نجح
السارد في جعل ظروف العودة مؤشرا
على أن هذه العودة لن تكون وفق ما حلم به عيسى، فقد أعاده إلى الكويت يوم وفاة
أمير البلاد .. وسجنه في شقة غسان ما يزيد عن الشهر .. ورغم شعور الجدة بقرب
اندثار اسم الطاروف فإن ذلك لم يشفع لعيسى ، وظلت الجدة على موقفها جاحدة رافضة
انضمامه للعائلة وإن كانت تكنّ له في
أعماقها حبا وهو الذي يذكرها بابنها الوحيد .. لذلك اختارت له منزلة بين
المنزلتين: أعلى من مرتبة الإنكار ودون مرتبة الاعتراف ما دام للأعراف والتقاليد
في الكويت سلطتها.. فرتبت له غرفة في ملحق البيت كالخدم .. بعد
اختلاف عماته بين المؤيدة للاعتراف به (هند) ، والداعية إلى إرجاعه إلى موطن أمه (نورية)
والتي لا موقف لها ( عواطف) ، ويتم تغليب فكر الاحتفاظ به قريبا من الأسرة بعد اكتشاف أن له أختا من أبيه اسمها خولة ، كان لها دورا إيجابيا في
حياته استغلها السارد في تليين قلب الجدة اتجاه حفيدها الحامل لملامح
فلبينية، ومع ذلك ظل مبعدا عن حفلات الأسرة في المناسبات والأعياد ، مما ولد لديه
إحساسا بالمهانة وقرر مغادرة منزل العائلة والاعتماد على نفسه بالبحث عن عمل ،
وربط علاقات مع جيرانه، وهو ما أفضى به إلى تجديد علاقته بشبان كويتيين كان قد
تعرف عليهم في الفليبين أثناء قضائهم لعطلة هناك .. وفي إحدى جلساتهم وأثناء
متابعتهم لأجواء الانتخابات وتحمس بعضهم للمرشحة هند الطاروف المدافعة عن حقوق
الإنسان وقضايا (البدون) اعترف لأصدقائه أن المرشحة عمته.. وكشف لهم عن هويته التي
طالما خبأها وكان كشف هذا السر إلى جانب عوامل أخرى سببا في فشل هند في
الانتخابات.. وهو ما ألب عليه الأسرة وتدخلت لفصله من عمله ، وقرروا طرده
من الكويت .. ورغم مقاومته في البداية استسلم في الأخير للأمر بعد اقتناعه بأن الكويت لن تكون
بلده . عاد إلى الفلبين وتزوج ميرلا و أنسلها فتى بملامح عربية اختار له اسم راشد ... كما قرر
كتابة قصة حياته التي كانت ثمرتها رواية (ساق البامبو )
رواية ساق البامبو تعالج عدة قضايا تتعلق
بالهوية، ، مكانة المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية بالبلدان الخليجية ، حقوق
الإنسان وإشكالية البدون التي تقض مضجع المجتمعات الخليجية وتعتبرها تهديدا
لهويتها (المتماسكة ) لكن غلب عليها روح مهادنة قيم المجتمع، وكرست فكرة الجنس
الصافي من خلال اعتبار أي عنصر تجري فيه
دماء دخيلة عنصرا غير مرغوب فيه في الكويت... لتنتصر الرواية في الأخير لفكرة
تهجير هوزيه (عيسى ) إلى موطن أمه..
الحكمة في ساق البامبو
يغلب على الرواية طابع الحكمة
التبصر، من خلال تمرير عدة حكم ونصائح، وكأنها من كتابة عجوز خبر خفايا
الحياة وتقلباتها ، وليست من تأليف كاتب
في عقده الثالث، وهي حكم كان من المفترض توظيفها لنبذ التمييز، ودحض فكرة الجنس
الصافي .. لكن معظم هذه الحكم ظلت صورية لا أذان تستقبلها في الواقع ... فعند
متابعة مسار الأحداث تُوقِف القارئ حكم كثيرة منها ما ورد على لسان بعض الشخصيات،
أو ما اقتبس من كلام المفكر والمناضل الفيليبيني خوسي رينال وهي حكم وعبارات أقرب
إلى ما يكتب هذه الأيام على صفحات التواصل الاجتماعي جمل قصيرة تحمل رسائل دلالات
ومواقف ومن هذه الحكم ندرج ما يلي :
·
الغياب شكل من أشكال الحضور،
يغيب البعض وهم حاضرون في أذهاننا أكثر من وقت حضورهم في حياتنا
· نحن
لا نكافئ الآخرين بغفراننا ذنوبهم، نحن نكافئ أنفسنا، ونتطهر من الداخل
· الأديان أعظم من معتنقيها
· كلما شعرت بالحاجة إلى شخص يحدثني .. فتحت
كتابًا
· السعادة المفرطة كالحزن تماماً، تضيق بها
النفس إن لم نشارك بها أحداً
· اللجوء إلى الإيمان، بحد ذاته، يحتاج
إلى.. إيمان
· ليس المؤلم أن يكون للإنسان ثمناً بخسا ،
بل الألم ، كل الألم ، أن يكون للإنسان ثمن
· الكلمات الطيبة لا تحتاج إلى ترجمة، يكفيك
أن تنظر إلى وجه قائلها لتفهم مشاعره وإن كان يحدثك بلغة تجهلها
· ليس وفاؤنا للأموات سوى أمل في لقائهم ..
وإيمان بأنهم في مكان ما ينظرون إلينا ...وينتظرون
· المرأة بعاطفتها، إنسان يفوق الإنسان
· إذا ما صادفت رجلًا بأكثر من شخصية، فاعلم
أنه يبحث عن نفسه في إحداها، لأنه بلا شخصية
· اليد الواحدة لا تصفق و لكنها تصفع ،
والبعض ليس بحاجة إلى يد تصفق له بقدر حاجته إلى يد تصفعه ، لعله يستفيق
· العزلة : زاوية صغيرة يقف فيها المرءُ
أمام عقله ، حيث لا مفر من المواجهة
· الحزن مادة عديمة اللون غير مرئية
يفرزها شخص ما ، تنتقل منه إلى كل مكان حوله ، يُري تأثيرها على كل شيء
تلامسه ، ولا تُرى!
· ليست الأنثى بشكلها وتصرفاتها، محفزاً
لغريزة الرجل، بقدر الصورة التي يراها عليها داخل رأسه
· صمت الآخر أحياناً ، أشد رعباً من نطقه
بحقيقة لا نود سماعها
· هل الابتسامة في نهار رمضان تبطل الصوم؟
· بعض المشاعر تضيق بها الكلمات، فتعانق
الصمت
· أن تقنع عقلك وعاطفتك في آن.. أحدهما يأبى
التصديق
· الناس لا يجهلون الخطأ، هم يميّزونه كما
يميّزون الصواب، ولكنهم لا يتورعون عن ممارسة أخطائهم طواعية
· تحفر المشاهد المأساوية نقوشها على جدران
الذاكرة، في حين ترسم السعادة صورها بألوان زاهية. تمطر سُحُب الزمن.. تهطل
الأمطار على الجدران.. تأخذ معها الألوان.. وتُبقي لنا النقوش.
· في بلاد أمي كنتُ لا أملك سوى عائلة ، في
بلاد أبي أملك كل شيء سوى عائلة !
· كلما شعرت بالحاجة إلى شخص يٌحدثني ...
فتحت كتاباً
· كم هي رائعة بعض الصدف، تظهر كالمنعطفات
فجأة في طريق ذات اتجاه واحد يفضي إلى المجهول..
· كل شيء يحدث بسبب.. ولسبب.
· قليل من الحب لا يصلح لبناء علاقة حقيقية
· لا ذنب للطبيعة إن فرض البشر رسوماً مقابل
ما لا يملكون
من أين لي أن أقترب من الوطن وهو يملك وجوهاً عديدة..
كلما اقتربتُ من أحدها أشاح بنظره بعيداً!
تتكشف لنا حقيقة أحلامنا كلما اقتربنا منها عاماً بعد
عام، نرهن حياتنا في سبيل تحقيقها ، تمضي السنون. نكبر وتبقى الأحلام في سنها
صغيرة.. ندركها.. نحققها.. و إذا بنا نكبرها بأعوام.
ومن هذه الحكم ما نسبه السارد لأحد أبطال الفلبين : الذي
عرفه في هامش بالصفحة 114 بقوله خوسي ريزال 1896-1862 Jose Rizal : أبرز
الأبطال القوميين في الفلبـين وأشهر من قاوم الاستعمار الإسباني’ (ص 114). من هذه
الحكم التي جعلها السارد مفتتحا لكل فصل من فصول الرواية قبل عنوان الفصل ما يرتبط بالسياسة أو الدين أو الحياة عامة ومن ذلك قوله :
·
لا يوجد مستبدون حيث لا يوجد عبيد. (ص 15)
·
تسلُّط البعض لا يمكن حدوثه إلا عن طريق جبن
الآخرين. ص (183)
·
إن الذي لا يستطيع النظر وراءه، إلى المكان الذي
جاء منه، لن يصل إلى وجهته أبدا (ص 53).
·
الشك في الله يعني الشك في ضمير المرء، وهذا يؤدي
إلى الشك في كل شيء. (ص129)
·
حياة ليست مكرسة لهدف، حياة لا طائل من ورائها،
هي كصخرة مهملة في حقل بدلا من أن تكون جزءاً من صرح. ص (291).
·
يجب أن يكون الضحية نقيا حتى تقبل التضحية ص(114)
وقد جاءت معظم حكم ريزال
مرافقة لعناوين أجزاء الرواية ومفتتحة لفصولها...لكن ظلت بطابعها التوجيهي المتضمن
للنصائح بعيدة كل البعد عن مواقف الشخصيات وأدوارها في الرواية بما فيها البطل
هوزيه/عيسى الذي قست عليه الحياة ، وكان
لهذه القسوة أن تحوله شخصية مقتنعة بالقيم الإنسانية ، لكنه ظل قانعا بما كتب له واستسلم في الأخير
للأعراف ضدا على القوانين والمواثيق الدولية .. وهو ما حكم على الرواية بالوقوف عن
حدود الواقعية الانتقادية دون أن يرقى إلى
مستوى البطل الإشكالي الذي يثور على واقعه ويغيره خاصة وأن القوانين الدولية كانت
في صالحه
وأمام عجزه عن إيجاد موطئ
قدم في وطن أبيه، رسم المؤلف للبطل
/السارد موطنا رمزيا بعيدا عن الواقع صاغه في حكمته الأخير (إن لفظت الديار
أجسادنا… قلوب الأصدقاء لأرواحنا أوطان)(ص391) وهي حكم تكرس الانتصار للأعراف
ولفكرة الجنس الصافي الذي يخشى على نفسه من تلويث الآخرين ، وبدل دمج البطل في
المجتمع، أقنعه بقبول الاندماج العاطفي (قلوب الأصدقاء أوطان لأرواحنا) في الوقت
الذي يحلم هو بوطن جغرافي لجسده
وعلى الرغم من الخط السردي الذي سلكه مؤلف الرواية والنهاية التي اختارها لبطله، فإن الرواية وإن عكست اختلاف مواقف بعض الكويتيين من مسألة انفتاح المجتمع وقبول إدماج ( البدون) فإن المدافعين عن قيم المساواة والتسامح لم يعبروا عن مواقفهم الصريحة ، إذ جعل الكاتب هؤلاء ينصرفون إلى شؤون حياتهم دون أن يتبنى أي أحد منهم قضية هوزيه/عيسى : فعمته هند المرشحة للانتخابات تحت لافتة حقوق الإنسان وحقوق البدون تنكرت لابن أخيها واعتبره المسؤول عن فشلها الانتخابي ، وأصدقاؤه الذين احتضنوه ظاهريا تفرقوا عنه بعد الانتخابات ولم يحضر أي منهم لتوديعه، وأخته خولة التي قدمها الكاتب في البداية كيد منقذة لأخيها وقفت عاجزة أما جبروت الأعراف ..وحتى إنانغ تشولينغ السلحفاة الصغيرة التي اقتناها لتملأ ما يحس به من فراغ فضلت الموت على أن تعايش شابا مشكوك في هويته.. أمام تنكر الجميع له، وانسداد طرق مستقبله في الكويت لم يجد أمامه بدا من العودة وبناء عش حياته مع ميرلا وهو العارف بكل تفاصيل ماضيها والمقتنع أن الدين الذي كان يعتنقه يحرم هكذا زواج..
وعلى الرغم من الخط السردي الذي سلكه مؤلف الرواية والنهاية التي اختارها لبطله، فإن الرواية وإن عكست اختلاف مواقف بعض الكويتيين من مسألة انفتاح المجتمع وقبول إدماج ( البدون) فإن المدافعين عن قيم المساواة والتسامح لم يعبروا عن مواقفهم الصريحة ، إذ جعل الكاتب هؤلاء ينصرفون إلى شؤون حياتهم دون أن يتبنى أي أحد منهم قضية هوزيه/عيسى : فعمته هند المرشحة للانتخابات تحت لافتة حقوق الإنسان وحقوق البدون تنكرت لابن أخيها واعتبره المسؤول عن فشلها الانتخابي ، وأصدقاؤه الذين احتضنوه ظاهريا تفرقوا عنه بعد الانتخابات ولم يحضر أي منهم لتوديعه، وأخته خولة التي قدمها الكاتب في البداية كيد منقذة لأخيها وقفت عاجزة أما جبروت الأعراف ..وحتى إنانغ تشولينغ السلحفاة الصغيرة التي اقتناها لتملأ ما يحس به من فراغ فضلت الموت على أن تعايش شابا مشكوك في هويته.. أمام تنكر الجميع له، وانسداد طرق مستقبله في الكويت لم يجد أمامه بدا من العودة وبناء عش حياته مع ميرلا وهو العارف بكل تفاصيل ماضيها والمقتنع أن الدين الذي كان يعتنقه يحرم هكذا زواج..
ليجد قارئ الرواية نفسه
أمام سؤال عريض وهو : لماذا تمكن هوزيه من تكسير المقدس والزواج بميرلا وهو العارف
بتعاطيها المخدرات والدعارة أما عن جد؟؟ فيما فشل في مواجهة أعراف لا تمت للقوانين
الدولية بصلة..؟؟
إنها رغبة المؤلف في الحفاظ
على المجتمع الخليجي خالصا، والخوف عليه من مجتمع هجين تتنوع فيه الملامح والأعراق لذلك
فضل تصدير الأزمة إلى بلد متخلف مقارنة مع الكويت.. لكن في ذلك – سواء عن قصد أو
غير قصد – اعتراف بأن المجتمع الفليبيي مجتمع متسامح مؤمن بالاختلاف قادر على
احتواء كل أبنائه مهما تنوعت اعتقاداتهم وأصولهم.. ونفي لكل ذلك على المجتمع
الخليجي المنغلق على ذاته
ومع ذلك تمكنت الرواية من
حسن توظيف بعض الأحداث التاريخية ( كوفاة أمير الكويت، حرب الخليج الثانية، مباراة
كرة القدم ..) ، والشخصيات الثقافية ( كخوسي ريزال، إسماعيل فهد إسماعيل ...)
وتحويل كل ذلك إلى معطيات روائية خاضعة لتقنيات السرد دون أن تسقط في الرواية التسجيلية ولا
التاريخية .. إذ ظل التخييل حاضرا في تحركات الشخصيات ونمو أحداثها
إذا كان رواية ساق البامبو
تبدو ظاهريا رواية الرصانة وصوت العقل بتجنب التصوير الفلكلوري، والشخصيات
الهزلية، والنقد المجاني للتقاليد أو السخرية من الأعراف ،القوانين والدين ... فإن
قارئها يدرك أن المؤلف كان يريد قول أشياء كثيرة ، لكن سلطة المجتمع جعلته يكتفي
بالتلميح وأقصى ما استطاعه هو توجيه انتقادات خفيفة لبعض الصبية الذين لا يراعون سلامة الآخرين في بعض سلوكاتهم الصبيانية يقول في هذه
السلوكات ( يقفون بمحاذاة الشارع.. يحملون
حجارة في أيديهم متحفزين ينتظرون مرور الحافلات ليرشقوها بحجارتهم تمر الحافلات
يقف بعضها ويواصل بعضها الأخر .. ولا ينصرف الصبية قبل أن يصيب أحدهم الهدف تتناثر
شظايا زجاج الحافلة ثم يطلقون سيقانهم للرياح ...)ص 306 وهو نقد لم يتكرر في الرواية
قط
كما وجه بعض الانتقادات
لرجال الشرطة في لقطتين الأولى عندما أوقفوا عيسى وطالبوه ببطاقة هويته وما أن هم
بتقديمها (للشرطي) يقول عيسى ( أخرجت المحفظة .. سحبها من يدي ..أخذ يفتش فيها ..
سحب الدنانير العشرة وضعها في جيبه رمى المحفظة في وجهي دون أن يرى البطاقة ركب
سيارته بسرعة وانطلق ..) ص 198 والمرة
الثانية عندما لمح لاستغلال الشرطة للفتيات اللواتي لا يحملون أوراق الإقامة
بتصريح فتاة أن الإقامة في الكويت تتطلب تقديم تنازلات ، تقول لعيسى : (كثيرا ما
دفعت ثمن إقامتي بصورة غير شرعية إما في إحدى
غرف مراكز الشرطة الفارغة، أو في سيارة أحدهم ،أو في شقة خصصت لممارسة مثل
هذه الأفعال ..) ص 316 وهي انتقادات لشريحة قاصرة لا تملك حق الرد ،
وشريحة أخرى بدأت تفقد هيبتها ( الكويتيون
لا يخافون الشرطة .. يخافون كلام الناس ) ص 346
عدا ذلك كان السارد مدافعا عن الكويت التي رفضته ، ولم يسمح لأية شخصية بانتقاد القوانين التي
تميز بين أبناء الوطن الواحد ، وكأن التمييز في الكويتين بين الحاملين للجنسية
الكويتية و(البدون) قضاء وقدر لا طاقة للشخصيات على مناقشته وبالأحرى تغييره ، لم يسمح لهم بذلك
حتى في قمة الغضب أو السكر ، لنستمع كيف صور السارد أحد السكارى المتذمرين
الساخطين : ( يتمادى بسخريته على الناس في الكويت.. يعب المتذمر ما تبقى في كأسه
برشفة واحدة ، يتحدث عن الكويتيين بغضب.. وينعتهم بصفات مزعجة ) ص 309 ، يتحدث
بدلا منه ، دون أن يتيح لهذا المتذمر الساخط التعبير عن رأيه أو نقل كلماته بأمان
واكتفى بوصف حالته وانفعاله ..
عدا ذلك فكل الشخصيات تنطق
بالحكمة، واعية بمحيطها فاهمة لشروط
وجودها وأن لم يكن لديها مستوى تعليمي يؤهلها للنطق بالحكمة ، سواء كانت
خليعة كميرلا التي كانت تغدق على عيسى من
نصائحها وتجربتها في الحياة ، أو فقيرة
المعدمة كجوزافين التي تقول أنها طالعت ( الكثير من الروايات
الخيالية منها والواقعية: أحببت سندريللا وكوزيت بطلة البؤساء، حتى أصبحت مثلهما،
خادمة، إلا أنني لم أحظ بنهاية سعيدة كما حدث معهما’ (ص 19) . أو منبوذة كغسان والذي رغم حنقه لم يصدر منه أي
حكم على التمييز بين الكويتيين وتركه المؤلف يحيك خططه في السر والدفع بعيسى
لتحقيق ما خرس لسانه هو عن قوله... أو الشبه أمية كهوزيه / عيسى الذي لم يتم
الإشارة في الرواية إلى أنه تلقى تعليما في المستوى ومع ذلك قدمه السارد في صورة
الشخصية السوية، المعتدلة المتوازنة الحكيمة وأكثر من ذلك أعطاها مهمة كتابة هذه
الرواية ..
ويبقى أهم مؤشر على أن كاتب
الرواية كان يريد قول أشياء كثيرة ولم يستطع لذلك سبيلا تلميحاته إلى مخطوط رواية والده كانت قادرة على فعل ما عجزت رواية ساق البامبو
عن ملامسته، فقد ظلت خولة تكرر بأن رواية أبيها ( رواية صعبة .. يقول رأيه في بعض
الأمور صراحة ..) ص 325 وتصريحها أن حُلمها
هو إكمال ما شرع أبوها في كتابته ... وفي
ذلك تلميح واضح لعدم قول الأمور بصراحة في هذه الرواية ، وكأن السارد عمل بنصيحة
أخته خولة عندما طالبته بالكتابة بعد استفهامه ( ما ذا أعرف أنا عن الكويت حتى
أكتب ) أجابته: (هذا بالضبط ما سوف تكتبه ... ما لا تعرفه عنها )
على الرغم من كل ذلك تبقى
رواية (ساق البامبو ) رواية كبيرة في طريقة كتابتها، وطريقة بنائها، تعبر عن وجهة
نظر مؤلفها عن قضية تؤرق بال كل إنسان مؤمن بحقوق الإنسان، في بلد محافظ وصغير مثل الكويت، وجعل هذه القضية قضية
إنسانية ،تحكم السارد في خيوطها وأحسن نسجها بالانتقال بين بلدين مختلفين في
الجغرافيا ،المناخ ،العادات والتقاليد، والدين..
رواية ساق البامبو: إسكات،تمييز أم خوف من مجتمع هجين؟؟
بواسطة Unknown
on
3:05 ص
القسم:
ليست هناك تعليقات: