الواقعية الغرائبية في رواية (فرانكشتاين في بغداد)


ذ. الكبير الداديسي - ميادين أسفي
 الواقعية الغرائبية في رواية (فرانكشتاين في بغداد) 
ذ. الكبير الداديسي
منذ حصر اللائحة القصيرة  للجائزة العالمية للرواية العربية  المعروفة بجائزة البوكر في الروايات الستة المرشحة وهي :
1.     لا سكاكين في مطابخ المدينة للروائي السوري خالد خليفة.
2.     فرانكشتاين في بغداد للعراقي أحمد السعداوي.
3.     طائر أزرق نادر يحلق معي للمغربي يوسف فاضل.
4.     طشاري للعراقية أنعام كجة جي.
5.     تغريبة العبدي المشهور بولد الحمرية للمغربي عبد الرحيم لحبيببي.
6.     الفيل الأزرق للمصري أحمد مراد.
  وعيون المهتمين تشرئب لمن يكون الفائز ، ليأتي  يوم الثلاثاء 29 أبريل 2014  ويتم إعلان رواية فرانكشتاين في بغداد ) فائزة بالجائزة والقيمة المالية المخصصة ... ومن خلال قراءتنا  لهذه الروايات لا حظنا أنها في الغالب حاولت رصد بعض قضايا الواقع العربي وإن كانت رواية ( تغريبة العبدي ...) لعبد الرحيم لحبيبي قد غاصت في التاريخ  القريب ( القرن 19 ) .. وقد كان منتظرا فوز رواية سعداوي بعد فوز رواية (لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة ) بجائزة نجيب محفوظ ، ورواية (طائر أزرق نادر يحلق معي) بجائزة المغرب للكتاب  ...
وكذلك كان. إذ جاء موعد  الحسم مساء يوم الثلاثاء و تم الإعلان عن الفائز إذ ( كشف سعد البازعي، رئيس لجنة التحكيم - المكوّنة من الناقد والأكاديمي السعودي سعد البازعي، رئيسا، والصحافي والروائي والمسرحي الليبي أحمد الفيتوري، والأكاديمية والروائية والناقدة المغربية زهور كرّام، والأكاديمي والناقد العراقي عبدالله إبراهيم، والأكاديمي التركي المتخصص في اللغة العربية وترجمة الأدب العربي إلى التركية محمد حقي صوتشين - عن إسم الفائز بالجائزة في حفل أقيم في مدينة أبوظبي مساء اليوم الثلاثاء 29 أبريل 2014. بإعلان  رواية (فرانكشتاين في بغداد) للروائي العراقي أحمد سعداوي فائزة بالجائزة التي تقدر بما  قيمته 50,000 دولار أمريكي، و ترجمة الرواية إلى اللغة الإنجليزية مع ما يمكن أن يعود على المؤلف من فوائد مادية ومعنوية بعد هدا الفوز....
الرواية صدرت طبعتها الأولى عن دار الجمل في 352 صفحة من الحجم المتوسط تحكي عن حكاية هادي العتاك ( المعروف في الرواية بالكذاب) بائع المتلاشيات في حي من أحياء العاصمة العراقية التي تعرف عمليات تفجيرية من حين لآخر عقب سقوط نظام صدام حسين ودخول الأمريكان إذ تبدأ أحداث الرواية في ربيع 2005 ، استغل هادي العتاك هذه التفجيرات وتناثر أشلاء الضحايا  في جمع هذه الأشلاء ولصق بعضها لبعض، وكانت فرحته كبيرة عندما عثر على أخر عضو ( الأنف) وتشكيل جثة كاملة لا روح فيها، حلت فيها روح لا جسد لها، فتشكلت شخصية (الشُّسْمَهْ) وتعني بالعراقية الذي لا إسم له ، لينطلق هذا الكائن الغريب في عملية انتقام من كل الذين ساهموا في قتله ، وأمام تعدد جرائمه، أطلقت عليه السلطات لقب (المجرم أكس) فيما سماه آخرون  "فرانكشتاين" ورافق عملية قتله للذين قتلوه عملية قتل الأجزاء المكون له
فكرة الرواية وعنوانها يحيلان إلى الفيلم الأمريكي الشهير المقتبس عن رواية فرانكنشتاين (Frankenstein)  للمؤلفة البريطانية ماري شيلي  والصادرة  سنة 1818..
 بعد الإعلان عن الفائز جاء في تصريح الناطق باسم لجنة التحكيم  أن هذه الرواية  جرى اختيارها (لعدة أسباب، منها مستوى الابتكار في البناء السردي كما يتمثل في شخصية (الشسمه). وتختزل تلك الشخصية مستوى ونوع العنف الذي يعاني منه العراق وبعض أقطار الوطن العربي والعالم في الوقت الحالي. في الرواية أيضاً عدة مستويات من السرد المتقن والمتعدد المصادر. وهي لهذا السبب وغيره تعد إضافة مهمة للمنجز الروائي العربي المعاصر.)
هذا وقد تكونت الرواية من تسعة عشر فصلا كل فصل مكون من مشاهد إضافة إلى تقديم من صفحتين ونصف اختار له الكاتب عنوان: التقرير النهائي وعنوانا ثانويا ( سري للغاية ) اختلفت هذه الفصول التي تدرج عبرها سرد أحداث المتن الحكائي من حيث الحجم ، وهذه الفصول هي :
الفصل الأول : المجنونة من الصفحة 11إلى ص 24
الفصل الثاني  : الكذاب من ص 25 إلى ص 42
الفصل  الثالث : روح تائهة من ص 43 إلى ص 48
الفصل الرابع :  الصحفي من ص 49 إلى ص 62
الفصل الخامس : الجثة من ص 63 إلى ص 78
الفصل السادس :الحوادث الغريبة من ص 79 إلى ص 100
الفصل السابع : أوزو وبلوديميري من ص 101 إلى ص 122
الفصل الثامن : أسرار من ص 123 إلى ص 139
الفصل التاسع : تسجيلات من ص 140 إلى ص 155
الفصل العاشر : الشِسمه من ص 156إلى ص 180
الفصل الحادي عشر: تحقيق من ص 181 إلى ص 202
الفصل الثاني عشر : في زقاق 7 من ص 203 إلى ص 225
الفصل الثالث عشر : الخرابة اليهودية من ص 226 إلى ص 246
الفصل  الرابع عشر: متابعة وتعقيب من ص 247 إلى ص 259
الفصل الخامس عشر:ه روح تائهة من ص 260 إلى ص 278
الفصل السادس عشر: دانيال من ص 279 إلى ص 299
الفصل السابع عشر:  الانفجار من ص 300 إلى ص 322
الفصل الثامن عشر : المؤلف من ص 323 إلى ص 239
الفصل التاسع عشر : المجرم من ص 240 إلى ص 250
وقد انتهت الرواية ببعض الإشارات وفهرس للفصول

هذا وقد جاء في تصدير الرواية  التعريف التالي لمؤلفها: ( أحمد سعداوي روائي وشاعر وكاتب سيناريو عراقي من مواليد بغداد 1973. صدر له :" عيد الأغنيات السيئة" شعر ورواية البلد الجميل الحائزة على الجائزة الأولى للرواية العربية في دبي 2005 إضافة إلى رواية ( إنه يحلم أو يلعب أو يموت ) الحائزة على جائزة هاي فيستفال 2010  .. كما يعمل في إعداد البرامج والأفلام الوثائقية وسبق له أن شارك في عام 2012 في "الندوة" - ورشة الإبداع - التي تنظمها الجائزة العالمية للرواية العربية سنويا للكتاب الشباب الواعدين.

 بهذا تكون رواية "فرانكشتاين في بغداد"  قد  فازت بأفضل جائزة عربية باعتبارها أفضل عمل روائي نُشر خلال الإثني عشر شهرا الماضية، بعد اختيارها من بين 156 رواية مرشحة ضمن اللائحة الطويلة  تتوزع على 18 بلدا عربيا.
وبالإضافة إلى تتويج الفائز تم خلال  الحفل الذي نظم على هامش معرض أبو ضبي للكتاب  تكريم الروائيين الخمسة الآخرين المرشحين ضمن اللائحة القصيرة بجائزة 10.000 دولار أمريكي لكل مرشح ، بدعم من  "مؤسسة جائزة بوكر" في لندن، وتمويل "هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة" .
وفي هذا المقال سنحاول مناقشة ما نصطلح  عليه باسم (الواقعية العجائبية) في هذه الرواية، ونحن نقصد أن الكاتب قد عالج قضايا واقعية ( ما يعرفه العراق منذ سقوط نظام صدام حسين من تفجيرات) بطريقة غرائبية مستوحيا الفكرة من رواية عالمية ، وإسقاطها على الواقع العراقي ، وربما ما يشابهه من دول عربية كسوريا،ليبيا، اليمن ...  فما المقصود  بالعجائبية ؟؟ وإلى أي حد يمكن الحديث عن واقعية غرائبية من خلال رواية فرانكشتاين في بغداد لأحمد سعداوي ؟؟...

 
مفهوم العجائبية أو الغرائبية يتداخل  مع عدد من المفاهيم المعرفية في لغات أخرى منها في الفرنسية(Miraculeuse / exotisme/ Grotesque/ fantastique) وهي كلمات تحيل على كل ما هو خيالي و غير واقعي، وعند البحث عن تعاريف لهذا المفهوم عند المتخصصين نجد غاستون باشلار يقول إن العجائبية " تعيد للمرء حس الدهشة الذي يكتشف به الطفل الحقائق لأول مرة  " ومن تم قد يكون لجوء سعداوي للغرائبية في هذه الرواية تعبيرا عن دهشة العراقي عند اكتشافه لفظاعة الواقع وهو الذي كان يحلم بغد أفضل بعد التخلص من نظام صدام ، على الأقل عند البعض .
وإذا كان يُقصد بالخطاب العجائبي أو الغرائبي كل خطاب تكون فيه الأحداث غريبة عن عالم القارئ، وبعيدة عن منطق تعامله، فإن هذه الرواية حبلى  بكل ما هو غرائبي سواء في تكوين شخصية فرانكشتاين أو طريقة انتقامه وتعويضه للأجزاء المنتهية مدة صلاحيتها..  
 ولا تفوتنا الإشارة إلى أن أولى الحكايات الإنسانية التي وصلتنا كانت غرائبية ( الأسطورة الملحمة الخرافة ..) ونفس الشيء كانت الحكايات عندنا سواء الشعبية الشفوية منها أو المدونة  ك( العنترية، الأزلية،الهلالية) أو العالمة مثل (ألف ليلة وليلة / كليلة ودمنة/ حي بن يقظان..)  إذ تميزت مختلف هذه الأعمال بشخصياتها تتحرك في حيز فضاء عجائبي غرائبي يخرج بالشخصيات من المألوف ، ويعطيها قوة خارقة  تسم الأحداث بسمات سحرية وتجعل العمل السردي عجائبيا . 
 
وعند العودة إلى رواية فرانكشتاين في بغداد للروائي العراقي أحمد سعداوي نجدها  تعالج واقعا معاشا في العراق بطريقة غرائبية مما يسمح  لنا بإعادة تأكيد تصنيفها  ضمن الواقعية الغرائبية وهو تصنيف إن بدا للبعض عصيا سنحاول إبراز بعض مظاهره بطريقة قد  تدفعنا إلى إعادة النظر
في مفهوم العجائبية كما طرحها تزفتان تودوروف في كتابه (مدخل إلى الأدب العجائبي) عند ربط هذا المفهوم  بشرط أساسي هو  تفسير الأحداث فوق طبيعية بالقوانين الطبيعية. مما يحتم وضع تصور مفهوم الغرائبية من خلال مجموعة من الثنائيات طرفاها متقابلان أهمها:    العجائبي / الواقعي فوق الطبيعي / الطبيعي، الخارق /المألوف ، العقل /اللاعقل، الخارق /المألوف ...
رواية فرانكشتاين تمزج طرفي كل ثنائية ، فتجعل الواقعي غرائبيا، والعقلي لاعقليا ، والمألوف خارقا فهي ترصد تفاصيل واقع العراقي  بعد دخول القوات الأمريكية واستباحة الدماء والأجساد العراقية  التي غدت أشلاؤها في كل درب وحي جراء كثرة التفجيرات ، ومن هذا المعطى الأمبيرقي الواقعي نسج  أحمد سعداوي تفاصيل روايته الغرائبية، بجعل بطلها الأساس شخصية غير مألوفة في السرد العربي ، فهي شخصية مكونة - بطريقة غرائبية- من أشلاء ضحايا التفجيرات التي خاطها هادي العتاك ( مكون من جذاذات بشرية تعود  لمكونات وأعراق وقبائل وأجناس وخلفيات اجتماعية متباينة..) بُعثت فيها  بطريقة أكثر غرائبية حيرت حتى صانع الجثة وخالقها،يقول السارد واصفا الجثة التي صنعها هادي العتاك: ( هذا العمل البشع الغريب، الذي قام به لوحده دون مساعدة من أحد ولا يبدو مبررا أو مفهوما رغم كل الحجج التي ساقها أمام مستمعيه..) ص 34 . منذ البداية تطالعنا الغرائبية من خلال وصف هذه الشخصية بالغريبة وأن تكوينها غير مبرر وغير مفهوم، وهي ذات المواصفات التي جعلته(لا يستقر على حال، لا يتوقف في مكان لا ينام  ، يتحرك بطريقة عجيبة لا يملكها أي بشر)ص 215  
إن المؤلف يقر - ويكتب هذه الرواية وهو لا ينكر -  معرفته السابقة بشخصية  فرانكنشتاين  وعلمه بعمل فني سابق ورد فيه إسم بطل روايته، ذلك أن إسم فرانكشتاين لم يرد في الرواية - أول مرة- إلا من خلال الإحالة على الفيلم الأمريكي ،يقول السارد : ( بعد  يومين دفع محمود للسعيدي مقالة باسم أساطير في الشارع العراقي ، وخلال تصميم العدد أرفق المقالة بصورة كبيرة لروبيرت دب نيرو في فيلمه الشهير عن فرانكشتاين ) مع تغيير عنوان المقال ب (فرانكشتاين في بغداد ) ص153.  وهي إحالة تحتم على القارئ استحضار النص الغائب  والمقارنة بين رواية فرانكشتاين  للكاتبة البريطانية ماري شيلي ، ورواية  (فرانكشتاين في بغداد)  فإذا كانت الرواية الأولى تندرج ضمن روايات الخيال العلمي وغرائبيته واختيار اسم فرانكشتاين لطالب موهوب يدرس العلم (فيكتور فرانكشتاين ) مهتم بالأبحاث المخبرية  همه كشف سر الحياة ، وإعادة الروح إلى الأجساد الميتة، فغدا  يجري أبحاثه على جثث الموتى التي يجلبها خلسة من المقابر ، وتجميع أشلاءها السالمة وتخيطها مع بعضها ، وعندما اكتملت الجثة  شخصت واقفة ممثلة مسخا ضخما بشعا مرعبا كرهه  الناس لبشاعة خلقته وإثارته الرعب والفزع مما ولد لديه  روح الانتقام من البشر بمن فيهم خالقه فرانكشتاين ، فدخل المخلوق والخالق  في صراع : المخلوق (يلوم خالقه على الشكل الذي خلقه به )  والخالق (يلوم مخلوقه على كفره بخالقه وتنكره  لنعمة الحياة التي وهبها إياه ) لينطلق مسلسل انتقام المسخ من  فرانكشتاين فيقتل الأخ الصغير المدلل لفرانكشتاين (ويليام) ، كما سيقتل جوسين محبوبة العائلة ويضع فرانكشتاين بين خيارين : خلق أنثى للمسخ أو استمرار مسلسل الانتقام، ليجد فرانكشتاين نفسه مجبرا على تلبية طلبه.. لكن ضمير فرانكشتاين وخوفه من عواقب خلق أنثى للمسخ جعلته يتراجع ويحطم جسد الأنثى  بعد أن قضى شهورا في خياطة أجزائه مما أغضب المسخ وتوعد فرانكشتاين بقتل زوجته يوم زفافه ، وفعلا أضاف ( الزابيث)  يوم زفافها إلى ضحاياه وبعد أيام قليلة  فجع  الشاب فرانكشتاين بموت والده . لتشتد المطاردة  والغرائبية بين فرانكشتاين ومخلوقه  وتنتهي بموت الخالق بعد التعب والمرض فيختار المسخ وضع حد لحياته -حين عرف بموت خالقه -  وشعوره بأن لا فائدة من حياته ، وعجزه عن الحياة مع البشر...
قارئ رواية فرانكشتاين للروائية الإنجليزية يلاحظ أنها تتشابه ورواية (فرانكشتاين في بغداد) من حيث الاسم وفكرة تكوين جثة من أجسام ميتة، ناهيك عن تيمة الانتقام ..
مع اختلاف في اسم فرانكشتاين فهو في الرواية الانجليزية خالق، وفي الرواية العربية مخلوق، أضف إلى ذلك كون الخالق  في النسخة الأصل طالب مخترع ، وفي الرواية العربية هادي العتاكَ بائع المتلاشيات كهل خمسيني (كذاب )  قذر الهيئة،  وتفوح منه رائحة الخمر باستمرار، يتخذ من خرابة مقرا لسكناه انشغل بجمع  الأشلاء السليمة لضحايا التفجيرات التي تشهدها بغداد حتى اكتملت الجثة بعد عثوره على آخر عضو كان ينقص جثته ( الأنف) ،  لتنبعث الروح في الجثة وينطلق مسلسل الانتقام لأصحاب الأشلاء التي يتكون منها جسده محاولا تطبيق عدالة الشارع بعد فشل عدالة السماء وعدالة القانون في معاقبة الجناة .. اختار الخالق ( هادي العتاك ) اسم (الشسمة) لمخلوقه ، فيما اختار له أحد الصحفيين اسم (فرانكشتاين )..
ومن مظاهر غرائيبة هذا البطل تعاطف الناس معه واعتباره يمثل العدل يقول ( سأنجز العدالة على الأرض أخيرا ) ص 157 ، عكس ما هو موجود في الرواية الإنجليزية، إضافة إلى  رمزية الشخصيات التي اختارها لمساعدته والمتمثلة في السفسطائي، الساحر  والعدو إضافة إلى  ثلاثة مجانين كل واحد يرى هذا المسخ من زاويته الخاصة وإن اتفقوا على النظرة الإيجابية وكلهم يتفانون في خدمته:
·       الساحر من ضمن فريق السحرة الخاص برئيس النظام السابق
·       السفسطائي (بارع في تبرير الأفكار الجيدة والترويج لها وتلميعها وجعلها أكثر قوة ونصاعة، وهو بارع كذلك مع الأفكار السيئة أيضا ) ص160
·       العدو يعمل ضابطا في جهاز مكافحة الإرهاب يقول عنه فرانكشتاين : ( يعطيني مثالا .. لهيأة العدو كيف يفكر وكيف يتصرف .. ويسرب لي الكثير من المعلومات المهمة التي تفيدني في تحركاتي الصعبة) ص160
·       المجنون الصغير :  يرى فيه ( المواطن الأنموذجي الذي فشلت الدولة العراقية في إنتاحه منذ الملك فيصل وحتى الاحتلال الأمريكي.)
·       المجنون الكبير يرى فيه ( الخراب العظيم الذي يسبق ظهور المخلص الذي بشرت به كل الأديان على الأرض)
·       المجنون الأكبر يعتبره المخلص الحقيقي
الرواية تبرز تعلق العراقيين بهذا المسخ بعد أن سدت في وجههم كل آفاق المستقبل المشرق،وبعد عزفه على وثر حساس ينشده كل عراقي ( إنهاء القتل في الشوارع، حتى ينتهي إنتاج الضحايا )ص168، وهو يناشدهم لتشجيعه ( إن الواجب الأخلاقي والإنساني يدعو إلى نصرتي والوقوف في صفي لإحقاق العدالة في هذا العالم المخرب تماما بأطماع وشهوة السلطة ) ص157  لكن بعد توالي سقوط أشلائه إثر انتقامه لأصحابها تجند معاونوه الستة لإعادة ترميمه وتغيير القطع والأشلاء التالفة بقطع بشرية جديدة ليجد نفسه في دوامة لا تنتهي بعد  (اتساع قائمة المطلوبين مع إضافة أجزاء جديدة..) و الحرص على الترميم بلحوم شرعية وليس بقطع مجرمين ، رغم اقتناعه بأن في كل شخص نسبة من الإجرام، لذلك  ( لم يعد يكترث لمن يعود هذا الجزء أو ذاك في جسده وهل يرمم نفسه ببقايا أجساد ضحايا أم مجرمين لأنه صار الآن يلمس بعمق الجانب النسبي في الموضوع )ص 255 واقتنع بأنه نصف مجرم، أو على الأقل هو ما أقنع به نفسه للحصول على عيون سليمة عند بداية مشواره في قتل الأبرياء.. وأعطى لمعاونيه شرعية الدفاع عن مشروعهم فحولوا ( العمارة إلى ثكنة عسكرية بعد كثرة المتطوعين بها الأسلحة والرتب )    
ورغم غرائبية هذا المخلوق المسخ ، فقد حاولت الرواية ملامسة الواقع سواء من خلال تحديد الأمكنة (بغداد وبعض أحيائها خاصة حي البتاويين  ،المهن، اعتماد الشرطة المدججة بأحدث وسائل الاتصال على المنجمين لمعرفة الحقائق في إشارة إلى تعشيش الخرافة في الأبنية الذهنية العربية، فلم تستطع أكثر أجهزة الرصد تطورا  كشف مكان اختباء هذا الكائن الفرنكشتايني ، في حين( نجح المنجم الصغير  في خلق اتصال مع روح هذا الوحش . نوع من ذبذبات هاتف خلوي بينه وبين الوحش. أبلغه من خلالها ،أو زرع في ذهنه شيئا ما جعل هذا الوحش يتوقف لدقيقة عن الحركة ..) ص 254  هذا النجاح جعل هذا المنجم الصغير  ( الآن أكثر قوة وتأثيرا من أستاذه وهو يملك قدرة خارقة لا يشعر بضرورة مشاركتها مع الآخرين )  وبواسطة ضرب الرمل توصل إلى عائلة حسيب محمد جعفر الذي قتل وراحت روحه لتحل في الجثة المجمعة في باحة هادي العتاك ) ص 254  عمل يمثل قمة العجائبية مثل هذا يصدر عن أصغر المنجمين فماذا يمكن أن يصدر عن المنجم الكبير والأكبر؟؟...
يستنتج إذن أن للغرائبية تجليات كثيرة في  رواية ( فرانكشتاين في بغداد) لأحمد سعدواي ، ورغم كل تلك التجليات وغيرها تبقى الرواية تعالج قضية واقعية، تتمثل في ما يعيشه العراق والعالم العربي من تشظ، وفرقة واقتتال يعسر فيه معرفة من المخطئ ومن المصيب، ومن يقتل من، واقع قد لا نخرج منه إلا بخلق شخصية غرائبية نحن مقتنعون أنها لن تزيد واقعنا إلا اقتتالا... 
الواقعية الغرائبية في رواية (فرانكشتاين في بغداد)  الواقعية الغرائبية في رواية (فرانكشتاين في بغداد) بواسطة Unknown on 5:15 ص القسم: 5

ليست هناك تعليقات: