الدولة المغربية تحصد نتائج أشواكها
ميادين أسفي - ذ. عبدالفتاح عبدان
بدأت
|
تلوح في الأفق،
في الشهور الأخيرة، العديد من مظاهر التسيب الأخلاقي والخلاعة الجنسية بين أوساط
التلاميذ والتلميذات، كانت بدايتها شرارة، لكن سرعان ما تحولت إلى لهب حرق وجرف كل
القيم الإسلامية والمجتمعية للمغاربة، وكشف عن هيجان وثورة جنسانية غير مسبوقة في
تاريخ التعليم المغربي.
يعود مربط
البداية إلى حادث قبلة الناظور التي ذاع الحديث عنها في مختلف الوسائل الإعلامية،
خاصة القناة الثانية التي جعلت منها حديث الساعة بامتياز، ونتيجة لتساهل قضاة آخر
الزمان، ورضوخهم لتظاهرات الشواذ ودعاة العلمانية الذين زادوا الطينة بلة حينما
عقدوا العزم على القيام بمظاهرة القبل أمام قبة البرلمان وتحت حماية السلطات؛ هذه الأخيرة لم تعد ترفع عصيها إلا في وجه
ذوي المطالب الحقة، وتتغاضى بالمقابل عن التجاوزات المخلة بالآداب والقيم المحافظة.
ونتيجة لهذا التساهل، تطور الحكاية إلى أحداث
أكثر إثارة، وتزعمها بطلان آخران من مدينة
المحمدية، ليظهرا في وضع جنسي مخل بالآداب والأعراف المغربية، ضاربين بعرض
الحائط كل القيم التربوية والأخلاقية التي
من المفترض أن تكون المؤسسات التعليمية والأسرية قد غرستها فيهم.
والأكيد أن
هذه الأحداث التي تطفت على السطح في الآونة الأخيرة لا تشكل إلا الشجرة التي تغطي
الغابة، فأي متتبع اليوم بإمكانه أن يترصد السلوكات الثورية واللاأخلاقية للكثير
من التلميذات اللاواتي يتم استقطابهن لتناول المخدرات، وبعد إدمانهن يصرن لقمة
صائغة في أيدي المتاجرين في الأجساد، بل غدت بعد المدارس تنخرط في شبكات متطورة
للدعارة خاصة في المدن السياحية، كما أصبحت قبلة للباحثين عن خليلات.
أكثر من هذا، وتحت تأثير القيم الفاسدة التي
تروجها القنوات الإعلامية المغربية من خلال دبلجة المسلسلات التافهة والسهرات
الماجنة، نجد أن الغالبية العظمى من التلاميذ، وفي سن مبكرة، يشرعن في ربط علاقات
عاطفية مع الأصدقاء، وكثيرا ما صرنا نشاهد تلاميذ في المؤسسات التعلمية في أوضاع
مخلة ومخجلة، ويتقابلون في سلامهن وجها لوجه، وقبلة بقبلة... وأما لباس التلميذات
فغدا كاشفا عن مفاتنهن وتضاريس جسدهن، وأدمن المساحيق والزينة الفاجرة منذ
بواكرهن، وأمام أعين آبائهن دون حسيب ولا رقيب.
ثم إن فصل الربيع، ما لبت أن افتتح أيامه
الأولى، ومن المعهود أن النشاط التلاميذي يزداد تطورا في أعقاب هذا الفصل، فلن
نتفاجأ أن تستمر الحكاية وتتشابك أحداثها، ويتعدد الأبطال بتعدد الفضاءات
والأزمنة. ولا نرقُب في المستقبل نهاية للحكاي، إنها فقط البداية .
لقد أنهارت
القيم الاجتماعية التي ظل المجتمع المغربي يتشبث بها منذ غابر الأزمان تحت تأثير
عوامل متعددة، أبرزها الاتجاه السياسي العلماني الذي تنهجه الدولة بمختلف أجهزتها.
خاصة في المجال الإعلامي والتعليمي.
ففي المجال
الإعلامي تسيدت القناة الثانية غرس قيم العهارة والعري والنفاق والجنسانية في
الشباب والنساء اللائي يدمن على تتلبع تلك البرامج والمسلسلات الدنيئة، والتي تحمل
قيما غربية وغريبة عن الإسلام والمجتمع المغربي بكل المقاييس، وزاد الأمر
خطورة حينما تم تعريب تلك المسلسلات
التافهة إلى الدارجة، فأضفوا على تلك القيم المبثوتة صبغة عربية إسلامية. حتى
غدونا نرى المسيحي يدخل الكنيسة وهو يقرأ الفاتحة؟!
لقد حذرنا المهدي المنجرة منذ زمن من خطورة هذه
القناة وتجاوزاتها، وذلك حينما قال: " إنها في تقديري غير قانونية، ثم إنها
فضلا عن هذا، تبث برامج من درجة ثالثة، تطعن بشكل صريح أو ضمني في ثقافتنا، وتمرر
على مدار اليوم خطابات لا تعنينا في شيء".
كلنا يعلم ما
تكتسيه التلفزة من خطورة على العقلية الإنسانية، خاصة في مجتمعات عربية تدمن على مشاهدتها،
فهذا الباحث الفرنسي "روجي ميمو" يقول في درجة تأثيرها على
المغاربة:« إن كل ما فشل الفرنسيون في فرضه بقوة السلاح، قد فرض
نفسه بفعل رغبة السكان المحليين، وهكذا قامت التلفزة والمهاجرين بدور خيوط طروادة،
حيث سهلوا عملية تداعي الثقافة التي ظلت صامدة على امتداد قرون».
وفي نفس الطريق أصبحت تتنافس الإذاعات المغربية،
بمخلف مشاربها، في بث برامج سافلة، لم تجد ما تستقطب به المستمعين إلا اللعب على
أوثار مسامعهن بالعبارات والمغامرات الجنسية الشاذة لبعض المتهورين. زد على ذلك
الصور الفاضحة التي زينت بها الجرائد المغربية واجهاتها الأمامية والخلفية حتى صار
القارئ يخجل من أن يصحب معه جريدة إلى بيته!
ومن ناحية
أخرى، نجد أن الكثير من القيم التي تتضمنها بعض المقررات المدرسية المغربية،
تتنافى مع الأعراف والأخلاق الاجتماعية المعهودة في المغاربة. فرواية "الحي
اللاتيني" المبرمجة في الجذع المشترك، على سبيل المثال لا الحصر، ملأى بالقيم
اللاأخلاقية وتفوح من صفحاتها المشاهد الجنسانية وكأنه لم يوجد غيرها للتدريس.
كما أن
انفتاحنا الزائد على الانترنيت وذيوع مواقع الخلاعة وشبكات الاستقطاب، بالإضافة
إلى الصور الإشهارية الإباحية التي غزت جميع المواقع الالكترونية، زادت الأمر
تفاقما. وغدونا في عالم محاصرين بالفتنة والافتتان من كل الجهات.
ففي
اعتقادي المتواضع أجهزة الدولة تتحمل النصيب الأكبر من المسؤولة عن كل هذه
الانزلاقات الشاذة في المجتمع المغربي. فهي متواطئة حتى النغاع في علمنة المجتمع
المغربي واقتلاع الجذور الإسلامية من مواطنيه ومتراخية في ممارسة الرقابة على كل
أجهزتها، والتعامل بصرامة وحزم لكل من سولت له نفسه تجاوز الخطوط الحمراء. كما يجب
عليها مراجعة سياستها الإعلامية والتعليمية.
ونتيجة لهذه الحال، فما الثورة الجنسانية التي ظهرت
عند التلاميذ إلا أولى النتائج المرتقبة ولا تعدو أن تكون طلائع الفوج الأول.
فانتظروا الأفواج القادمة.
الدولة المغربية تحصد نتائج أشواكها
بواسطة Unknown
on
7:06 ص
القسم:
ليست هناك تعليقات: