قصة تروى لا تطوى (اسرار تعديب دعاة اسقاط الاستبداد)
حفيظ زرزان - ميادين اسفي
1 – قصة تروى لا تطوى:
لا أدري من أين أبدأ سردي ، فكلما هممت بالكتابة تزاحمت حولي الأفكار والكلمات واللحظات والأحاسيس ومع توالي الأيام وإلحاح بعض أحبتي أن لا مناص من البوح والصدع بالحقيقة ، أجدني مضطرا للرجوع بقارئ مقالتي إلى الوراء أي منذ 4 سنوات لهول الفاجعة وعظم المسؤولية ونظرا لأن ملف قتل الشهيد بالإضافة إلى المختطفين السبعة وكان صاحبكم الكاتب واحدا منهم لم يجد الجواب لدى مسؤولينا الذي أعطوا الأوامر وتورطوا في "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان" ذكرتنا بأيام الرصاص والجمر وأكدت بالملموس ، بعيدا عن الشعارات الرنانة أن عهد الأوامر والتعليمات هو الواقع لا يمكن إنكاره أو تغطيته بغربال "الوهم" و"التسويق الخارجي " ، بالتحديد يوم الأحد الأسود في إحدى خرجات الحراك المغربي حيث اشتد الوطيس ، عاثت أيادي الحقد الأعمى ذلك اليوم وتجاوزت وعذبت واختطفت واغتالت ، بدأت القصة بحملنا في سيارة صغيرة ثم نقلنا بعدها إلى سيارة أكبر ليتم تعذيبنا بوحشية وبدون رحمة أو شفقة في مكان بعيدا عن الأعين والعجب العجاب أن كاميرا مراقب مسيرات الحراك شغالة ! .
تركوني على آخر اللائحة ، كان الجميع يتحدث بنرفزة كأن الأمر يتعلق بثأر شخصي وليس بعملية أمنية ومختطفين "سياسيا" نشطاء حراك شهد العالم بأسره بجديته وسلميته ومطالبه المشروعة ، حتى من كانوا بالأمس القريب يتنكرون ، صاروا اليوم يترحمون بل ويطالبون بعودة الشباب عالواعي والناضج والمسؤول ، " كانت العناصر المكلفة بالتعذيب تحمل في أياديها هروات من النوع الغليط المعد مسبقا بعناية لهاته "الزردة" ، لتتهاوى بشكل خطير وبدون شفقة على كل أجزاء الجسم دون كلل أو ملل ..".انزلو الأستاذ" أعطي الأمر : فوضعت يدي على وجهي لحمايته ثم استسلمت وسط دائرة"التعذيب"، وأحاطوا بي ، وتهاوت الضربات علي وأنا ملقى على الأرض كالفريسة التي تجمع حولها المتعطشون إلى "الدم" المتفانون في الإجهاز على الضحية ، لم تنتهي العملية هنا فقد تفنن مرافقونا في السب والشتم ومما علق بذاكرتي الصغيرة عبارة أحدهم وقال "20 سنة في السجن والقرعة نوريك "مك "المطالب أشناهيا"زيادة على الكلام الفاحش الذي عافت نفسي أن أدنس به سطوري العاجزة هاته ، ولم نعرف الوجهة بعد ، كان كل من صعد إلى متن "الناقلة" استعرض علينا أرجله وأيديه ولسانه ، لكن صاحب هاته السطور كان له الحظ الأوفر من التعذيب باعتباري حسب تصريحاتهم "من قيادات الحراك" ثم بدأت عملية الإنزال في مناطق مجهولة في الخلاء بعيدا عن مدينة أسفي عرفنا بعدها أن الأمر يتعلق بنواحي الوليدية على الطريق الشاطئي وجاء دوري في النزول فجاء الاعتراض مرة أخرى "لا" دعوه لنتركه هو الأخير فبقيت متابعا للعملية برمتها محتسبا صابرا رغم الألم الذي يعتصرني والجراح وآثار التعذيب البادية على جسمي النحيف وكبقية زملائي المختطفين تمت إعادة ضربي ورفسي وتجريدي من الهاتف والمفاتيح والنقود ثم أكمل احدهم "جريمته" بأن رمى علي صخرة كبيرة أصابتني على مستوى القدمين ...
2 - أين كمال من كل هذا؟
ليصبر المتابع على شهادتي هاته و على مرارة كلماتي لأنها تتطابق مع ما تعرض له كمال بشكل متقارب جدا ، وبعد مرور أيام ، وبالضبط يوم الخميس 2 يونيو كنت برفقة صديقي "عمر" وكنا بصدد توثيق هاته الواقعة التي وضعت بين أيديكم كلها حتى جاء الخبر فتوجهنا إلى المستشفى فغالبت نفسي واستجمعت قواي رغم آلام التعذيب ، لأن "عماري" يلفظ أنفاسه الأخيرة نتيجة ما حكيت لكم وما تلقاه أسوة بنا مع اختلاف طفيف في المكان والتوقيت ، في دار بوعودة على يد 7 عناصر لم يتوانوا حين سألوه :
- هل أنت معهم ؟
- فأجاب نعم.
فأبرحوه رفسا وتعنيفا وارتكبوا الجريمة في واضحة النهار، لممت نفسي لأن الحبيب"عمر " طلب مني تقديم الشهيد في لحظاته الأخيرة وهو مثخن بجراحه وكسوره يعيش أنفاسه بالأنين والألم ، ووقفت إلى جانب رأسه وخنقت العبرة التي دافعتني ووصفت المشهد وكأن الأقدار همست في أذني وقالت : هون عليك هناك أخ لك يستشهد ولاقى ما لاقيت وأكثر.
كان لحظة تاريخية مفصلية في تاريخ الحراك بأكمله فانتشرت الصورة وعم النبأ العالم بأسره وتسائلت أسرتي عني يوم رأتني على قنوات الجزيرة وفرنسا 24 فعددت لهم الأمر مجرد" شبه "لعلمي بصحة والدي المنهك من سنوات "المقاومة" والدفاع عن حرمة "وطننا الغالي" ، ولم يعلم والدي الحبيب –مات هذه السنة- رحمه الله أن ابنه الصغير يعاني الويلات لا لشيء إلا انه يطالب بالحرية والكرامة والعدالة لهذا البلد الجريح الرازح تحت وطأة الفساد والاستبداد.
حضرت إلى المدينة هيآت ومنظمات دولية ووطنية و"مجلسنا الوطني لحقوق الإنسان" ،كان هناك إجماع أن مسؤولية الدولة ثابتة في الحادث وأن الشهيد "كمال عماري" التحق بربه الكريم نتيجة التعذيب الذي تعرض له .
كان هذا باختصار جزءا مما جمعني بزميلي في "النضال" و "التربية" الرجل الخلوق الصموت.
وشاءت الأقدار أن تصنع من هذا الرجل الذي كان آخر عهده بالقرآن وبرباطات الخير الأربعينية ملحمة ودرسا في الثبات والوفاء والمعية و أن يخلد و يعرف العالم به وتتناقل اسمه الأجيال وتكون له قضية ومؤسسة تدافع عنه .
فرحم الله تعالى "كمال عماري" شهيد التغيير بالمغرب وألهم أسرته الصبر والسلوان وإنا لله وانا إليه راجعون .
3 –من سرية معتقلات سنوات الجمر إلى التعذيب في العلن :
فظاعة ما جرى من تعذيب واختطاف واغتيال للشهيد "كمال عماري" لن تسعها السطور أو المقالات مهما حاولت سردها جميعا لكنني أسعى جاهدا أن أضع قارئ مقالتي في السياق المناسب ليتخيل معي هول الفاجعة وفظاعة الجرم .
أعتقد أن ما ميز سنوات الجمر والرصاص بما اتفق عليه الجميع دولة ومجتمعا كانت خطيرة جدا بكل المقاييس المتعارف عليها دوليا.
لكن ألا ترون معي أن الأمر هنا في هاته النازلة بالضبط ازداد فداحة وشناعة ؟
إن كانت دهاليز مولاي الشريف و المعاريف ظلت سرية إلا عند من زاروها أو يشتغلون فيها فزقاق دار بوعودة وهي سوق تجاري مكتظ بالمارة عرفت أبشع عملية جماعية للرفس والعنف الجسدي والنفسي والتعذيب في ساعة لم تغب فيها شمسنا في كبد السماء وبشكل علني في الشارع العام أمام مرأى ومسمع من المواطنين الذين طالتهم تهديدات "الجهات المعلومة" لكي لا يقدموا شهادتهم وأن يتواروا حفاظا على أرزاقهم وقوت يومهم حتى عند زيارة الحقوقيين .
إذن نحن هنا أمام فعل وحشي أكثر جرأة وسادية ملئ بالحقد والكراهية لأن المجني عليه من العدل والإحسان وواحد من نشطاء الحراك ثابت على موقفه حتى بعد سؤاله هل هو واحد منهم ؟
وهنا نجزم أن الجلاد انتقل من كتمان انتهاكاته إلى نشرها لتخويف كل من سولت له نفسه أن يطالب بحقه وحق أبناء هذا الوطن الجريح.
4 - فزاعة التخوين وجاهزية الملفات المطبوخة :
عند مخزننا العبقري "الوطنية" وسام يوزع بسخاء على المتملقين والخانعين من بني جلدتنا والويل والثبور لكل من حدثته نفسه أن يرفع رأسه ليعيش كريما مواطنا بمواطنة كاملة غير منقوصة لهذا ما إن انطلقت نداءات المطالب وخرجت التنسيقيات إلى العلن حتى تحركت الماكينة الدعائية المخزنية ووصمت كل من خرج في مظاهرات الحراك المغربي بأقدح النعوت والعار والخيانة .لأنهم من صرخوا "حرية كرامة عدالة" بما يوافق مطالب هذا الشعب المقهور الرازح تحت وطأة الفساد والاستبداد صاروا مزعجين، إذن لابد من إخراس أصواتهم ولو تعلق الأمر بطبخ الملفات أو إطلاق شائعات مغرضة أو البحث في الأعراض وترويج الأكاذيب.
من لك يا وطني في زمن صار الناهبون للمال العام وتجار المخدرات والمجرمين والقتلة مواطنون وبقية أبناء الأمة خونة وخارجون عن القانون "المخزني".
هل يمكن لمثل هاته الأخطاء والتشويشات أن تخرس صوتا تواقا لغد أفضل من أجل خبز لكل الجائعين وهداية لكل التائهين ؟
هل نجبن في قول كلمة الحق ويستغل غيرنا هذا الصمت القاتل ليستمر المستفيدون من الوضع القائم في ممارساتهم ونهبهم لثرواتنا وجرائمهم التي سودت سمعة بلدنا الحبيب الغالي وجعلته في أسفل الترتيب الأممي لحقوق الإنسان ؟
5 – أربع سنوات من العبث والتماطل:
تتكرر محاولات التناسي وإطفاء جذوة دم الضحية المقتول غدرا وظلما يراهن المخزن جاهدا واهما على محو الذاكرة وملل الناس وتراجعهم وحصول نوع من التماهي فيصير الملف عاديا وتنطفئ حرارة المتابعين و المهتمين وييأس المواطن من عدالة طال انتظارها ويطمئن الجاني على نفسه وتتكرر محاولات المساومة والتطويع والابتزاز كما عهدنا سواء عبر وسطاء أو إشارات ولو بشكل غير مباشر .
نعم مرت أربع سنوات وملف الشهيد لم يراوح مكانه ولا حتى ملف المختطفين السبعة الذين شاءت الأقدار أن يمد الله في أعمارهم ويصيروا ذاكرات متنقلة بين الأجيال .
كلمتكم عن يوم الأحد الأسود الذي عشت فيه وذقت "بعضا" مما مورس على الشهيد كمال عماري مع اختلافٍ في المكان والتوقيت ومواطن الضربات القاتلة التي أصابته في رأسه وأجهزت عليه بعد 4 أيام من الأنين والألم .
أليست 4 سنوات مدة كافية لإجراء البحث وبدء المحاكمة في وقت تم الإعلان عن دستور جديد وحكومة جديدة وتضج وسائل إعلامنا الموجهة مسبقا بهذا الانجاز الفرعوني المسبوق ؟
أعتقد حسب رأيي أننا أمام كارثة حقوقية وقانونية صارخة تقول ألا قضاء مستقل.
6 - تساؤلات مشروعة في ظل دستور وحكومة جديدين:
أين التقرير الطبي ولماذا لم يسلم إلى أسرة الشهيد وإلى المعنيين من صحافة وإعلام وجمعيات حقوقية وسياسية ؟
هل أماتت الضمائر إلى هذا الحد وهانت "النفس " عند مسؤولينا الكرام ؟
والله تعالى يقول: " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا"
كيف ينام هؤلاء مع سماع دوي صرخات "كمال عماري" وكسوره التي لن تمحيها السنوات ولن تنسيها الأيام ؟
ماذا يجب أن يترتب عن تقرير مجلسنا الموقر الذي كان آنذاك حديث عهد بالتشكيل واستبشر الكثيرون خيرا بخروجه وببعض شخصياته لما لها من رصيد نضالي بعدما حرص المخزن على تطويعها وإقناعها بجدوى المشاركة وتزيين الواجهة إلى حين .
ومن حقنا أن نتساءل اليوم من أعطى الأمر ؟ وهل التعليمات كانت تقضي بالتأديب أم التعذيب والاختطاف والاغتيال حتى، لو لزم الأمر ذلك ؟
ولماذا لم يأخذ الملف مجراه الطبيعي وتحدد المسؤوليات ويتم جبر الضرر خاصة للأسر ة المكلومة ؟
أسئلة كثيرة أكثرها براءة بل وحسن نية أقول هل تغير المخزن فعلا لتسود لغة العقل والحكمة ويتحرك الماسكون بزمام الأمور وتطوى صفحة الماضي "صراحة ومصالحة "؟
لا أريد "نهاية قذافية "لأحد من الناس لكن الم يان الأوان أن نقول كفى من العبث والبهرجة والواجهة ؟
إن القدر لا يرحم والتاريخ يكتب ...
لا زلنا على العهد يا كمال عماري ولن ننساك
"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون "
تذكير لن نمل منه:
ننتظر أن يتحرك ساكن الضمير ساكن الإنسان إن بقي في هذا المخزن من عقلاء من أجل "تحديد المسؤوليات
7 - تفاصيل الفاجعة:
امتدت يد الحقد الأعمى لتعذب الشهيد...كان هذا منذ أربع سنوات , كان الشهيد كمال عماري واحد من المُتظاهرين الذين شاركوا في مسيرة نظمتها حركة 20 فبراير الاحتجاجية في مدينة أسفي المغربية ، وبالضبط يوم الأحد 29 ماي تولى تنفيذ الجريمة 7 من عناصر الشرطة من صنف « الصقور » انهالوا على « كمال عماري » بالضرب المُبرح المُفضي إلى الموت ، كان الشهيد كمال عماري عضوا فاعلا في شبيبة جماعة العدل والإحسان بآسفي، وناشطا معروفا في حركة 20 فبراير بالمدينة، وكان هذان مبررين كافيين ليستحق بهما نقمة المخزن. لقي الشهيد كمال عماري ربه يوم الخميس 2 يونيو 2011 متأثرا بارتدادات الإصابة الخطيرة التي تعرض لها ذلك اليوم.
8 - كمال ..ضحية من ضحايا الغدر بهذا الوطن :
هكذا هو الانتماء إلى الوطن وهموم الشعب وقواه الحية بهذا البلد تهمةً تبررُ القتل بعد أن توصم بوصمة "المعارضة"، شهدت جراحك وآثار التعذيب والضرب ببدنك على فظاعة المخزن وهمجيته، وكان استشهادك دليلا على أن المغرب ليس استثناء.
9 - إعلام رسمي يعكس تخبط الاجهزة والرواية الجاهزة المرتبكة :
الإعلام الرسمي تضارب في رواياته حيث قالت القناة الأولى المغربية وفقا لتقرير التشريح الطبي أن وفاة كمال العماري نُتجت عن سكتة قلبية، فيما قالت القناة الثانية، أن وفاة كمال كانت بسبب سقوطه من على مثن دراجته النارية .
نترك للقارئ اللبيب مهمة استنتاج ما يريد استنتاجه .
10 - شهادات الحقوقيين :
مسؤولية الدولة تابثة في وفاة كمال عماري ، هكذا خلص تقرير النشطاء الحقوقيين و الجمعيات الحقوقية، أكدت جميعا على أن مسؤولية الدولة ثابتة في وفاة كمال العماري، أصدر » المرصد المغربي للحريات العامة وحقوق الإنسان » تقريراً مفصلا ، مُتهماً عناصر الشرطة بقتل المُتظاهر و مؤكداً على أن الدولة أفرطت في استعمال القوة يوم تفريق مظاهرة سلمية كانت تطالب بتحسين الأوضاع السياسية و الاجتماعية، التقرير وأكد التقرير أن الاعتداء العنيف الذي تعرض له الفقيد عماري من طرف رجال الأمن هو السبب المباشر وراء موته، ودعا إلى المسؤولين الى محاسبة الجناة وحذر من إفلاتهم من العقاب.
خاتمة :
وبعد هذه المدة كلها، ننتظر أن يتحرك ساكن الضمير ساكن الانسان ان بقي في هذا المخزن من عقلاء من أجل "تحديد المسؤوليات على مستوى القرار الأمني في مختلف مستوياته، بخصوص الإفراط في استعمال القوة وما رافقه من اعتداء واختطاف واحتجاز وتعذيب ومعاملات مهينة وحاطة بالكرامة" ، و"العمل على التحقيق بخصوص ما تعرفه المستشفيات خلال أحداث مماثلة من انزياحات عن مهامها، وتحويلها لملحقات للاعتقال.
حفيظ زرزان
قصة تروى لا تطوى (اسرار تعديب دعاة اسقاط الاستبداد)
بواسطة Unknown
on
12:02 ص
القسم:
ليست هناك تعليقات: