تشظي المحكي في رواية (الحب في زمن الشظايا)
ذ.الكبير الداديسي - ميادين أسفي
من الروائيات اللواتي يكتبن في صمت دون أن يلتفت إليهن أي ناقد ، روائية وشاعرة صدر لها عدة أعمال منها؛ رواية الحب في زمن الشظايا سنة 2006 ، ورواية (طارينخير بين الضوء والسراب) سنة 2011 و مجموعة شعرية بعنوان ( أبابيل الصمت) سنة 2008 إضافة إلى آثار أخرى في انتظار جديدها رواية ( في حدائق كافكا) و رواية (الأخرس و الحكاية) اللذين يوجدان قيد الطبع حسب زعمها، كما توجت بعدة جوائز منها جائزة الاستحقاق في مسابقة ناجي نعمان الأدبية لسنة 2012.. نقصد الروائية والشاعرة المغربية زليخة موساوي الأخضري
اليوم وفي إطار متابعتنا لجديد الرواية العربية المعاصرة بنون النسوة نقف على روايتها (الحب في زمن الشظايا) الصادرة في طبعتها الأولى سنة 2006 عن المطبعة السريعة بالقنيطرة في 232 صفحة من الحجم المتوسط ، وهي مقسمة على عشرة فصول اختارت الكاتبة لكل فصل عنوان شظية، وكل شظية موزعة إلى مشاهد مرقمة ابتداء من 1. ودعمت شظاياها بمقابسات (épighafe) منها أقوال لبعض المشاهير ، هكذا جاءت بنية النص الروائي موزعة على الشظايا التالية:
• الشظية 1 : ليتها أمام البحر تلك الغرفة. من الصفحة 7 إلى الصفحة 34. وهي موزعة على ثلاثة مشاهد .
• الشظية 2 : مفتتح بقولة (مقابسة) ميشيل فوكو ( لا تتصوروا أن المرء لابد أن يكون كئيبا ليصير مناضلا، حتى وإن كان الشيئ الذي نحاربه شنيعا ) وهي شظية تضم 7 مشاهد
• الشظية 3 : قدم لها قولة أدونيس (ما أكثر القوانين التي يربض في كل منها حيوان مفترمن الصفحة 85 إلى ص 101 وهي على مشهد واحد )
• الشظية 4 : ابتدأت بقولة فيرناندو بيسوا (كل من يعرف قول ما يريد ملك روما بطريقته الخاصة) من الصفحة 103 إلى ص 126 مشهد واحد دون ترقيم
• الشظية.5 . استهلت بعبارة (الحضارة قد تصنع عبيدا، لكن الحضارة لا يصنعها إلا الأحرار) من ص 127 إلى ص 163 تضم من 3 مشاهد
• الشظية . 6 : اختارت الساردة استهلالها ب4 أسطر شعرية هي ( بك أستدل علي، ومنك أمر إلي ، كي لا تضيع في المتاهات، خطاي ) من ص 163 إلى ص 177 و تضم مشهدين .
• الشظية . 7 : قدم لها بقولة تينسي ويليامز( إن الشعر هو ما تبقى من حضارة عفا عليها الزمن) من ص 179 إلى ص 199 مشهد واحد
• الشظية. 9 : استهلالها عبارة ( بين زمن ينفلت من بين الأصابع يزمجر كالإعصار وبين السنين الثقيلة التي تقف حاجزا بين الأحبة يتأرجح الزمان) من الصفحة 201 إلى ص 214 مشهد واحد دون ترقيم
• الشظية 10 : افتتحت بمقطع شعري لسيف الرحبـي من ص 215 إلى ص 232 يضم 3 مشاهد
بعد المقدمة التي تؤطر الرواية زمانيا ضمن (سنوات الرصاص، سنوات الجمر أو زمن الشظايا) . ينطلق سرد الأحداث على لسان السيدة ليلى وهي في حضن زوجها بنعيسى، وقد التقيا على سريرهما فبعد فراق دام تسع سنوات قضاها الزوج معتقلا بعيدا عن زوجته.. ها هما الآن على فراش واحد وقد (تخاصر الجسدان كغصني شجرة .. أبحرا في موج شهوة عنفوانية اجتاحتهما رمت بهما على شاطئ المتعة وعاشقين أكثر من أي وقت مضى ) ، لتعود الأحداث بالقارئ من خلال تذكر الساردة إلى مرحلة ما يسمى في المغرب بسنوات الجمر و الرصاص أو ما تسميه الساردة بزمن الشظايا، ويتعرف على عدد من الشبان المعتقلين: ( ياسين سمير، عثمان، علي، عبد الحق، عبد الكريم، سليمان ،عزيز وبن عيسى زوج ليلى) وتطوح الرواية بالقارئ في عوالم السجون، الاختطاف والتعذيب فيتعرف إلى سمات وأبعاد كل شخصية وكيف تفاعلت مع الاعتقال، وكيف واكبت الساردة تلك الأحداث بالكتابة ، منطلقة من اعتبار الكتابة على زمن الشظايا ليست أمرا سهلا للكاتب والقارئ على السواء. فعند الكتابة حول هكذا مرحلة (ياتي السرد على شكل شتات لا يلين تحت القلم فيتعب من يكتب ، ومن يقرأ. سرد متناثر كأوراق الشجر في مساءات الخريف) وعندما انتهت الساردة من كتابة قصتها التي حكت فيها معاناتها خلال مرحلة اعتقال زوجها، قدمتها في الشظية الأخيرة لرفيق زوجها عبد الحق، بعد أطلاق سراحه، لقراءتها وإعطاء رأيه فيها وهو مريض يعالج في مستشفى راق مما يعانيها من أمراض سببها له الاعتقال، يقول عبد الحق ساخرا ( المخزن القديم كسر عظامي والمخزن الجديد يحاول ترميمها) بل لا زال يرى نفسه معتقلا رغم سراحه يقول ( خرجت أحمل السجن معي بداخلي) وفي ذلك تعبير عما تعانيه شخصيات القصة وأحداثها من تشظي....
لذلك نعتبر أن أهم ما ميز هذه الرواية هو ذلك التشظي الذي تجلى في تمظهرات مست مختلف جوانب المحكي في الرواية وسنحاول الاقتراب من بععض تجليات ذلك من خلال ما يلي:
1 - التشظي في بناء الرواية:
يلاحظ في بناء الرواية أن الكاتبة قسمتها على عشر شظايا، (وهو عدد يطابق عدد الشبان المعتقلين) وهي شظايا مرقمة من الشظية 1 إلى الشظية 10 لكن سرعان ما يصاب تسلسل هذه الأرقام بتشظي بغياب (الشظية8) ليظل عدد فصول الرواية نفسه إذا ما اعتبرنا المقدمة التي عنونتها الساردة ب(آه منك أيها الوقت ) شظية، بل يمكن اعتبارها النار التي تتطايرت منها باقي الشظايا ما دامت تؤطر الرواية فتحدد فضاءها الزمكاني (زمن الشظايا) في مدن معينة ، وشخوصها، وكما تحدد الهدف من كتابتها واعتبارها (محاولة يائسة لأرشفة الألم والمعاناة) و(استجلاء الماضي البعيد القريب ومحاولة لقراءة المستقبل .. نبشا في الذاكرة ، تطهيرا نفسيا ...مساءلة الذات الفردية والجماعية ..) بل في هذه المقدمة تعلن الساردة عن طريقة سرد أحداث روايتها واختيارها الكتابة (يشكل متشعب لدرجة ضرب التسلسل الأحداثي وضرب كل الموروثات القرائية للكاتب والقارئ المحتمل) ، كما حددت مدة زمن القصة ( أربعين سنة) لتكون هذه المقدمة المكونة من أقل من ثلاث صفحات و الخارجة عن الشتشظي المحكي في رواية (الحب في زمن الشظايا)ظايا المرقمة مصدرا تتناسل منه باقي الشظايا ، أو على الأقل أهم شظية تطايرت بعيدا خارج تصنيف باقي الشظايا...
اليوم وفي إطار متابعتنا لجديد الرواية العربية المعاصرة بنون النسوة نقف على روايتها (الحب في زمن الشظايا) الصادرة في طبعتها الأولى سنة 2006 عن المطبعة السريعة بالقنيطرة في 232 صفحة من الحجم المتوسط ، وهي مقسمة على عشرة فصول اختارت الكاتبة لكل فصل عنوان شظية، وكل شظية موزعة إلى مشاهد مرقمة ابتداء من 1. ودعمت شظاياها بمقابسات (épighafe) منها أقوال لبعض المشاهير ، هكذا جاءت بنية النص الروائي موزعة على الشظايا التالية:
• الشظية 1 : ليتها أمام البحر تلك الغرفة. من الصفحة 7 إلى الصفحة 34. وهي موزعة على ثلاثة مشاهد .
• الشظية 2 : مفتتح بقولة (مقابسة) ميشيل فوكو ( لا تتصوروا أن المرء لابد أن يكون كئيبا ليصير مناضلا، حتى وإن كان الشيئ الذي نحاربه شنيعا ) وهي شظية تضم 7 مشاهد
• الشظية 3 : قدم لها قولة أدونيس (ما أكثر القوانين التي يربض في كل منها حيوان مفترمن الصفحة 85 إلى ص 101 وهي على مشهد واحد )
• الشظية 4 : ابتدأت بقولة فيرناندو بيسوا (كل من يعرف قول ما يريد ملك روما بطريقته الخاصة) من الصفحة 103 إلى ص 126 مشهد واحد دون ترقيم
• الشظية.5 . استهلت بعبارة (الحضارة قد تصنع عبيدا، لكن الحضارة لا يصنعها إلا الأحرار) من ص 127 إلى ص 163 تضم من 3 مشاهد
• الشظية . 6 : اختارت الساردة استهلالها ب4 أسطر شعرية هي ( بك أستدل علي، ومنك أمر إلي ، كي لا تضيع في المتاهات، خطاي ) من ص 163 إلى ص 177 و تضم مشهدين .
• الشظية . 7 : قدم لها بقولة تينسي ويليامز( إن الشعر هو ما تبقى من حضارة عفا عليها الزمن) من ص 179 إلى ص 199 مشهد واحد
• الشظية. 9 : استهلالها عبارة ( بين زمن ينفلت من بين الأصابع يزمجر كالإعصار وبين السنين الثقيلة التي تقف حاجزا بين الأحبة يتأرجح الزمان) من الصفحة 201 إلى ص 214 مشهد واحد دون ترقيم
• الشظية 10 : افتتحت بمقطع شعري لسيف الرحبـي من ص 215 إلى ص 232 يضم 3 مشاهد
بعد المقدمة التي تؤطر الرواية زمانيا ضمن (سنوات الرصاص، سنوات الجمر أو زمن الشظايا) . ينطلق سرد الأحداث على لسان السيدة ليلى وهي في حضن زوجها بنعيسى، وقد التقيا على سريرهما فبعد فراق دام تسع سنوات قضاها الزوج معتقلا بعيدا عن زوجته.. ها هما الآن على فراش واحد وقد (تخاصر الجسدان كغصني شجرة .. أبحرا في موج شهوة عنفوانية اجتاحتهما رمت بهما على شاطئ المتعة وعاشقين أكثر من أي وقت مضى ) ، لتعود الأحداث بالقارئ من خلال تذكر الساردة إلى مرحلة ما يسمى في المغرب بسنوات الجمر و الرصاص أو ما تسميه الساردة بزمن الشظايا، ويتعرف على عدد من الشبان المعتقلين: ( ياسين سمير، عثمان، علي، عبد الحق، عبد الكريم، سليمان ،عزيز وبن عيسى زوج ليلى) وتطوح الرواية بالقارئ في عوالم السجون، الاختطاف والتعذيب فيتعرف إلى سمات وأبعاد كل شخصية وكيف تفاعلت مع الاعتقال، وكيف واكبت الساردة تلك الأحداث بالكتابة ، منطلقة من اعتبار الكتابة على زمن الشظايا ليست أمرا سهلا للكاتب والقارئ على السواء. فعند الكتابة حول هكذا مرحلة (ياتي السرد على شكل شتات لا يلين تحت القلم فيتعب من يكتب ، ومن يقرأ. سرد متناثر كأوراق الشجر في مساءات الخريف) وعندما انتهت الساردة من كتابة قصتها التي حكت فيها معاناتها خلال مرحلة اعتقال زوجها، قدمتها في الشظية الأخيرة لرفيق زوجها عبد الحق، بعد أطلاق سراحه، لقراءتها وإعطاء رأيه فيها وهو مريض يعالج في مستشفى راق مما يعانيها من أمراض سببها له الاعتقال، يقول عبد الحق ساخرا ( المخزن القديم كسر عظامي والمخزن الجديد يحاول ترميمها) بل لا زال يرى نفسه معتقلا رغم سراحه يقول ( خرجت أحمل السجن معي بداخلي) وفي ذلك تعبير عما تعانيه شخصيات القصة وأحداثها من تشظي....
لذلك نعتبر أن أهم ما ميز هذه الرواية هو ذلك التشظي الذي تجلى في تمظهرات مست مختلف جوانب المحكي في الرواية وسنحاول الاقتراب من بععض تجليات ذلك من خلال ما يلي:
1 - التشظي في بناء الرواية:
يلاحظ في بناء الرواية أن الكاتبة قسمتها على عشر شظايا، (وهو عدد يطابق عدد الشبان المعتقلين) وهي شظايا مرقمة من الشظية 1 إلى الشظية 10 لكن سرعان ما يصاب تسلسل هذه الأرقام بتشظي بغياب (الشظية8) ليظل عدد فصول الرواية نفسه إذا ما اعتبرنا المقدمة التي عنونتها الساردة ب(آه منك أيها الوقت ) شظية، بل يمكن اعتبارها النار التي تتطايرت منها باقي الشظايا ما دامت تؤطر الرواية فتحدد فضاءها الزمكاني (زمن الشظايا) في مدن معينة ، وشخوصها، وكما تحدد الهدف من كتابتها واعتبارها (محاولة يائسة لأرشفة الألم والمعاناة) و(استجلاء الماضي البعيد القريب ومحاولة لقراءة المستقبل .. نبشا في الذاكرة ، تطهيرا نفسيا ...مساءلة الذات الفردية والجماعية ..) بل في هذه المقدمة تعلن الساردة عن طريقة سرد أحداث روايتها واختيارها الكتابة (يشكل متشعب لدرجة ضرب التسلسل الأحداثي وضرب كل الموروثات القرائية للكاتب والقارئ المحتمل) ، كما حددت مدة زمن القصة ( أربعين سنة) لتكون هذه المقدمة المكونة من أقل من ثلاث صفحات و الخارجة عن الشتشظي المحكي في رواية (الحب في زمن الشظايا)ظايا المرقمة مصدرا تتناسل منه باقي الشظايا ، أو على الأقل أهم شظية تطايرت بعيدا خارج تصنيف باقي الشظايا...
التشظي في الشخوص :
على الرغم من كون الرواية قد حددت شخوصها في البداية ( أول سطر في الصفحة الثانية للمتن) تقول الساردة ( ليلى،بنعيسى، منتصر، ياسين، سمير، عزيزة، حورية، عبد الحق... شخوص من ورقش، تتحرك بإرادة فلم مشاكس، يريد أن يبعث فيها الحياة لكنها تنتفض وتثور على وجودها الورقي ..) فإن الساردة تعاملت مع تلك الشخصيات بتفاوت كبير، ولم تعطها نفس الأهمية .. وكأن السرد انفجر فأصاب كل شخصية بشظية سردية ، فمنهم من تجاهلته الساردة ولم تشر له إلا ناذرا، ومنهم من نال الحظوة عندها فأغدقت عليه من السرد ما جعلها تعرف بأسرته وعلاقاته ساردة تفصيل حياته: فإذا كانت قد تجاهلت عليا،وسليمان وعبد الكريم ، ومنتصر .. و اكتفت بالإشارة إلى سمير ، ياسين وعثمان، من خلال تلميحات إلى علاقة سمير بعزيزة، والوقوف عند أم عثمان (أمي فاطمة الأمازيغية ) التي جعلت منها عاطفة الأمومة ، رغم أميتها، واحدة من أهم أمهات المعتقلين .. فإن شلال السرد تدفق بسخاء على بنعيسى وعبد الحق، وإذا كان الاهتمام ببنعيسى طبيعي لأنه الزوج الذي انطلقت مع أحداث الرواية، فقد كان الاهتمام أكثر بعبد الحق ، ففصلت الرواية في تفاصيل حياته منذ أن حلمت أمه بولادته ، مرورا بما صاحب ولادته من مآسي (زلزال أكادير) وعلاقته بأبيه ، وتفتق مواهبه في الغناء، وتفاصيل اعتقالاته الثلاث وما عاشه في كل اعتقال، وكيف قضى حياته بعد إطلاق سراحه ، واستمر حاضرا حتى آخر سطور الرواية...
وعند الحديث عن كل شخصية كان التشظي هو ما يحكم علاقاتها بالآخرين، فبينت الرواية مدى التشظي الذي أصاب علاقة سمير بعزيزة التي انتهت بفراقهما رغم حبهما لبعضهما ، وكان كل حدث يقع للشبان أبطال القصة يحدث انفجارا ينعكس سلبا على الأسر، على أن الزلزال الأكبر الذي تناثرت له الأسر شظايا هو حدث اعتقال الأبناء ، إذ وصفت الرواية تفتت الأسر، فرمت بالأمهات- ومعظمهن لم يغادرن البيت من قبل- شظايا حارقة في مختلف الإدارات بعد تأطيرهن في جمعية أمهات المعتقلين، فلم يعد لهن من مهمة في الحياة سوى تتبع أخبار أبنائهن، وبعدما كان الشبان شعلات حارقات ألقت بهم الساردة في سجن يقطع أجسامهم يقول بنعيسى (الجسد يفقد كل يوم قدرته على التحكم في أعضائه المبتورة والمتناثرة على مهب الرعب) وإذا كان لكل شخصية تشظيها فأن التشظي الكبير ظهر في شخصية الساردة، سواء في علاقتها بزوجها هذه العلاقة التي (مرت عليها السنوات ثقيلة وهما كقطبي الأرض مبعدان، بينهما الأسوار والأبواب والحراس..) أو في علاقتها بذاتها إذ غذت ( جمجمة رأسها بركانا مشتعلا .. لا تستطيع أن ترتب فكرتين ، فوضى عارمة تحتل عقلها وحياتها ) لتكون بذلك ليلى تعيش تشظيا داخليا أفقدها طعم تذوق الحياة (لم تعد حياة بل فقط محافظة على البقاء) حياة لم تعد تعرف فيها (كيف تعمل، ولا كيف تتكلم ، ولا كيف تفكر ... لا تشعر بوجود الآخرين.. ولا تقوى على تحمل ضجيج عالم تعيش هي على هامشه) بل أكثر من ذلك أصبحت (سعادة الآخرين تؤذيها) وتشظي خارجي إذ انشطرت مهمتها بين البيت (تربية ابنها ) وبين السجن الذي تزوره (ثلاث مرات في كل أسبوع ، أربع أسابيع في الشهر، إثنا عشر شهرا في السنة لمدة تسع سنين وبضعة أشهر.. يعني أكثر من ألف ومائتين وست وتسعين زيارة) وعلى الرغم بأن هذا العدد من الزيارات ومعاناتها كان كافيا (بأن يخلق لدى أي إنسان الربو والاكتآب) فإن ذلك لم يزد الساردة إلا إصرارا.. هكذا يبدو أن تشظي ليلى لم يقتصر على الجسد و النفسية وعلاقتها بالآخرين بل تجاوز ذلك إلى تشظي أحلامها التي (تكسرت على صخرة الألم فلم تبق إلا الذكريات.. سوط عذاب يهجم في كل اللحظات) وأحينا نجد أن (أحلامها كلها معلقة،مؤجلة مغلق عليها في مكان لا تمتلك هي نفاتيحه) وقد تسلل التشظي إلى أعماق الأعماق إلى القلب فأصبح (يرتعش قلبها كعصفور مذبوح ) ولما تمكن التشظي من كل خلايا الجسم، ماتت القلوب ففقد الأبطال إنسانيتهم ز( لم يعودوا ينظرون في وجوه بعضهم، يمشون كالآلات ليس لهم عيون )
هكذا تكون الكاتبة قد اختارت عنوان (الحب في زمن الشظايا) عنوانا مناسبا لما رسمته لشخصياتها، فكل شخصية تحمل تشظيها في أعماقها، وفي علاقاتها بمن حولها..
تشظي المكان
وعلى الرغم من كون الساردة قد تعمدت عدم التدقيق في وصف الأمكنة، بذكر أسماء المدن دروبها ،أزقتها وأحيائها فإن في الرواية بعض الإشارات القليلة (كالربيع في فاس، سجن درب مولاي الشريف بالبيضاء..) تسمح بافتراض احتمال وقوع أحداث الرواية في مدن معينة ( مدن فاس والقنيطرة والبيضاء) وقد ساهم تعويم المكان في جعله نمطيا يتيح للقارئ تخيل وقوع تلك الأحداث في أي مكان في الأرض، لكن ما ميز المكان في الرواية هو تفاعله مع تشظي شخصية الساردة، فيتخذ المكان دلالات بحسب شحنة كل شخصية النفسية؛ فترى ليلى في البيت تارة (المكان الوحيد الآمن الذي أشعر فيه أنني إنسان ..) ويستحيل هذا البيت في نفس الصفحة سجنا تقول عن نفسها (البيت يصبح كالقفص وهي تشعر بنفسها فيه حبيسة ) ، بل ترى في الوطن عامة سجنا... ويبقى المكان الرئيس في الرواية هو السجن، وهو مكان لتشظي الشخصيات، فيه يذوقون شتى أنواع العذاب و يغدو (هاجس الموت يسكن كل تلك اللحظات الرهيبة) يقول بنعيسى لزوجته واصفا ما كان يتعرض له من تعذيب (الطيارة تدور بي في دوامة الألم الفظيع، السياط تنزل على كل ذرة من جسمي، ورأسي مغموس في إناء الماء المتسخ، ينعدم الهواء، تتقطع الأنفاس ويكون الموت قريبا جدا) أمام قسوة المكان وجبروته، لا يجد الأبطال من ينقذهم يلملم شظاياهم ، ويجمع شتات الأسرة سوى الحلم بالخروج وملاعبة الزوجة والولد يقول بنعيسى ( كان الحلم دوائي الوحيد وضمادي الناجع لجراحي وجراح الوطن) أو العيش على الذكريات (تطفو بي الذكريات فوق سحاب وردي ، وأنسى إذ ذاك من أنا وأين أنا وأرفرف مع الذكريات كفراشة الربيع ) لكن سرعان ما تصاب الأحلام هي الأخرى بالتشظي ( أحلامنا استسلمت للتعب والوهن ، ولم يبق في القلب شيء يشتعل خبا التوهج الذي يخلق الأشياء والرماد كسا الكون والناس ) فتشظي المكان والأحلام قتل آمال الأبطال وجعلهم يحسون أن ( الأيام تمشي بخطو السلحفاة) وأن (السماء من حديد والأرض لا تدور في هذه البقعة من الكون) ففقدوا الإحساس بالحياة. الحياة التي فقدت ألوانها وغدا (اللون الرمادي يطغى على كل شيء .. الوجوه العابسة ، أحاديث الناس، أوراق الأشجار ، ضحكات الأطفال، ،السماء،الجدران، ماء النهر،حتى قطط وكلاب المدينة أصبحت رمادية .. كأن ساحرا مر بالمدينة ، نفخ في مزماره وأصبح كل شيء رماديا والرمادي يدعو دوما للبكاء)
تشظي اللغة والكتابة:
أمام سطوة الواقع وجبروته، وكثرة القيود التي كبلت الشخصيات في (زمن الشظايا) أصبحت الساردة كما تقول(أكره الطوابع والجمارك والحدود وأقفال الأبواب وشبابيك النوافذ وآخر أجهزة الإنذار والمراقبة والردار وكل ما استطاع الإنسان أن يخترعه ليعرقل به حريته) وللتعبير عن التمزقات التي كابدها أبطال الرواية اختارت زوليخة الأخضري الحديث عن الحب في زمن الشضايا، بلغة تعكس هذا التشظي ، وقد عبرت الساردة عن ذلك في مواطن متعددة في رواية ، فصرحت أنتها ستكتب (بشكل متشعب لدرجة ضرب التسلسل الأحداثي وضرب كل الموروثات القرائية للكاتب والقارئ) معتبرة الكتابة ذلك (الصوت العميق الذي يبدو كأنه من الأحشاء ) والكتابة هي الكلام (ضد الموت وضد القهر) وتعتبر الكلام تعبيرا آخر للإصرار على البقاء ، وجه آخر للحياة
تعلن الرواية منذ البداية أنها تخرج عن تلك الثنائيات التقليدية منتصر/منهزم، موت/حياة، ألم/لذة ، غائب/ حاضر،سجان /سجين...
على الرغم من كون الرواية قد حددت شخوصها في البداية ( أول سطر في الصفحة الثانية للمتن) تقول الساردة ( ليلى،بنعيسى، منتصر، ياسين، سمير، عزيزة، حورية، عبد الحق... شخوص من ورقش، تتحرك بإرادة فلم مشاكس، يريد أن يبعث فيها الحياة لكنها تنتفض وتثور على وجودها الورقي ..) فإن الساردة تعاملت مع تلك الشخصيات بتفاوت كبير، ولم تعطها نفس الأهمية .. وكأن السرد انفجر فأصاب كل شخصية بشظية سردية ، فمنهم من تجاهلته الساردة ولم تشر له إلا ناذرا، ومنهم من نال الحظوة عندها فأغدقت عليه من السرد ما جعلها تعرف بأسرته وعلاقاته ساردة تفصيل حياته: فإذا كانت قد تجاهلت عليا،وسليمان وعبد الكريم ، ومنتصر .. و اكتفت بالإشارة إلى سمير ، ياسين وعثمان، من خلال تلميحات إلى علاقة سمير بعزيزة، والوقوف عند أم عثمان (أمي فاطمة الأمازيغية ) التي جعلت منها عاطفة الأمومة ، رغم أميتها، واحدة من أهم أمهات المعتقلين .. فإن شلال السرد تدفق بسخاء على بنعيسى وعبد الحق، وإذا كان الاهتمام ببنعيسى طبيعي لأنه الزوج الذي انطلقت مع أحداث الرواية، فقد كان الاهتمام أكثر بعبد الحق ، ففصلت الرواية في تفاصيل حياته منذ أن حلمت أمه بولادته ، مرورا بما صاحب ولادته من مآسي (زلزال أكادير) وعلاقته بأبيه ، وتفتق مواهبه في الغناء، وتفاصيل اعتقالاته الثلاث وما عاشه في كل اعتقال، وكيف قضى حياته بعد إطلاق سراحه ، واستمر حاضرا حتى آخر سطور الرواية...
وعند الحديث عن كل شخصية كان التشظي هو ما يحكم علاقاتها بالآخرين، فبينت الرواية مدى التشظي الذي أصاب علاقة سمير بعزيزة التي انتهت بفراقهما رغم حبهما لبعضهما ، وكان كل حدث يقع للشبان أبطال القصة يحدث انفجارا ينعكس سلبا على الأسر، على أن الزلزال الأكبر الذي تناثرت له الأسر شظايا هو حدث اعتقال الأبناء ، إذ وصفت الرواية تفتت الأسر، فرمت بالأمهات- ومعظمهن لم يغادرن البيت من قبل- شظايا حارقة في مختلف الإدارات بعد تأطيرهن في جمعية أمهات المعتقلين، فلم يعد لهن من مهمة في الحياة سوى تتبع أخبار أبنائهن، وبعدما كان الشبان شعلات حارقات ألقت بهم الساردة في سجن يقطع أجسامهم يقول بنعيسى (الجسد يفقد كل يوم قدرته على التحكم في أعضائه المبتورة والمتناثرة على مهب الرعب) وإذا كان لكل شخصية تشظيها فأن التشظي الكبير ظهر في شخصية الساردة، سواء في علاقتها بزوجها هذه العلاقة التي (مرت عليها السنوات ثقيلة وهما كقطبي الأرض مبعدان، بينهما الأسوار والأبواب والحراس..) أو في علاقتها بذاتها إذ غذت ( جمجمة رأسها بركانا مشتعلا .. لا تستطيع أن ترتب فكرتين ، فوضى عارمة تحتل عقلها وحياتها ) لتكون بذلك ليلى تعيش تشظيا داخليا أفقدها طعم تذوق الحياة (لم تعد حياة بل فقط محافظة على البقاء) حياة لم تعد تعرف فيها (كيف تعمل، ولا كيف تتكلم ، ولا كيف تفكر ... لا تشعر بوجود الآخرين.. ولا تقوى على تحمل ضجيج عالم تعيش هي على هامشه) بل أكثر من ذلك أصبحت (سعادة الآخرين تؤذيها) وتشظي خارجي إذ انشطرت مهمتها بين البيت (تربية ابنها ) وبين السجن الذي تزوره (ثلاث مرات في كل أسبوع ، أربع أسابيع في الشهر، إثنا عشر شهرا في السنة لمدة تسع سنين وبضعة أشهر.. يعني أكثر من ألف ومائتين وست وتسعين زيارة) وعلى الرغم بأن هذا العدد من الزيارات ومعاناتها كان كافيا (بأن يخلق لدى أي إنسان الربو والاكتآب) فإن ذلك لم يزد الساردة إلا إصرارا.. هكذا يبدو أن تشظي ليلى لم يقتصر على الجسد و النفسية وعلاقتها بالآخرين بل تجاوز ذلك إلى تشظي أحلامها التي (تكسرت على صخرة الألم فلم تبق إلا الذكريات.. سوط عذاب يهجم في كل اللحظات) وأحينا نجد أن (أحلامها كلها معلقة،مؤجلة مغلق عليها في مكان لا تمتلك هي نفاتيحه) وقد تسلل التشظي إلى أعماق الأعماق إلى القلب فأصبح (يرتعش قلبها كعصفور مذبوح ) ولما تمكن التشظي من كل خلايا الجسم، ماتت القلوب ففقد الأبطال إنسانيتهم ز( لم يعودوا ينظرون في وجوه بعضهم، يمشون كالآلات ليس لهم عيون )
هكذا تكون الكاتبة قد اختارت عنوان (الحب في زمن الشظايا) عنوانا مناسبا لما رسمته لشخصياتها، فكل شخصية تحمل تشظيها في أعماقها، وفي علاقاتها بمن حولها..
تشظي المكان
وعلى الرغم من كون الساردة قد تعمدت عدم التدقيق في وصف الأمكنة، بذكر أسماء المدن دروبها ،أزقتها وأحيائها فإن في الرواية بعض الإشارات القليلة (كالربيع في فاس، سجن درب مولاي الشريف بالبيضاء..) تسمح بافتراض احتمال وقوع أحداث الرواية في مدن معينة ( مدن فاس والقنيطرة والبيضاء) وقد ساهم تعويم المكان في جعله نمطيا يتيح للقارئ تخيل وقوع تلك الأحداث في أي مكان في الأرض، لكن ما ميز المكان في الرواية هو تفاعله مع تشظي شخصية الساردة، فيتخذ المكان دلالات بحسب شحنة كل شخصية النفسية؛ فترى ليلى في البيت تارة (المكان الوحيد الآمن الذي أشعر فيه أنني إنسان ..) ويستحيل هذا البيت في نفس الصفحة سجنا تقول عن نفسها (البيت يصبح كالقفص وهي تشعر بنفسها فيه حبيسة ) ، بل ترى في الوطن عامة سجنا... ويبقى المكان الرئيس في الرواية هو السجن، وهو مكان لتشظي الشخصيات، فيه يذوقون شتى أنواع العذاب و يغدو (هاجس الموت يسكن كل تلك اللحظات الرهيبة) يقول بنعيسى لزوجته واصفا ما كان يتعرض له من تعذيب (الطيارة تدور بي في دوامة الألم الفظيع، السياط تنزل على كل ذرة من جسمي، ورأسي مغموس في إناء الماء المتسخ، ينعدم الهواء، تتقطع الأنفاس ويكون الموت قريبا جدا) أمام قسوة المكان وجبروته، لا يجد الأبطال من ينقذهم يلملم شظاياهم ، ويجمع شتات الأسرة سوى الحلم بالخروج وملاعبة الزوجة والولد يقول بنعيسى ( كان الحلم دوائي الوحيد وضمادي الناجع لجراحي وجراح الوطن) أو العيش على الذكريات (تطفو بي الذكريات فوق سحاب وردي ، وأنسى إذ ذاك من أنا وأين أنا وأرفرف مع الذكريات كفراشة الربيع ) لكن سرعان ما تصاب الأحلام هي الأخرى بالتشظي ( أحلامنا استسلمت للتعب والوهن ، ولم يبق في القلب شيء يشتعل خبا التوهج الذي يخلق الأشياء والرماد كسا الكون والناس ) فتشظي المكان والأحلام قتل آمال الأبطال وجعلهم يحسون أن ( الأيام تمشي بخطو السلحفاة) وأن (السماء من حديد والأرض لا تدور في هذه البقعة من الكون) ففقدوا الإحساس بالحياة. الحياة التي فقدت ألوانها وغدا (اللون الرمادي يطغى على كل شيء .. الوجوه العابسة ، أحاديث الناس، أوراق الأشجار ، ضحكات الأطفال، ،السماء،الجدران، ماء النهر،حتى قطط وكلاب المدينة أصبحت رمادية .. كأن ساحرا مر بالمدينة ، نفخ في مزماره وأصبح كل شيء رماديا والرمادي يدعو دوما للبكاء)
تشظي اللغة والكتابة:
أمام سطوة الواقع وجبروته، وكثرة القيود التي كبلت الشخصيات في (زمن الشظايا) أصبحت الساردة كما تقول(أكره الطوابع والجمارك والحدود وأقفال الأبواب وشبابيك النوافذ وآخر أجهزة الإنذار والمراقبة والردار وكل ما استطاع الإنسان أن يخترعه ليعرقل به حريته) وللتعبير عن التمزقات التي كابدها أبطال الرواية اختارت زوليخة الأخضري الحديث عن الحب في زمن الشضايا، بلغة تعكس هذا التشظي ، وقد عبرت الساردة عن ذلك في مواطن متعددة في رواية ، فصرحت أنتها ستكتب (بشكل متشعب لدرجة ضرب التسلسل الأحداثي وضرب كل الموروثات القرائية للكاتب والقارئ) معتبرة الكتابة ذلك (الصوت العميق الذي يبدو كأنه من الأحشاء ) والكتابة هي الكلام (ضد الموت وضد القهر) وتعتبر الكلام تعبيرا آخر للإصرار على البقاء ، وجه آخر للحياة
تعلن الرواية منذ البداية أنها تخرج عن تلك الثنائيات التقليدية منتصر/منهزم، موت/حياة، ألم/لذة ، غائب/ حاضر،سجان /سجين...
الرواية إذن كانت ( رحلة حياة تعطلت عقدا من الزمن) فتسلل عقد كان كافيا ليتسلل التشظي لشخوص الرواية ، تشظي شمل كل مناحي الرواية فحيثما وجه القارئ نفسه يجد التشظي: تشظي في الأحداث، تشظي في الشخوص، تشظي في بناء الرواية، تشظي في اللغة وطريقة الكتابة، تشظي جعل الساردة مناضلة ثائرة في وجه المخزن ترى فيه ملأ الأمكنة بالسجون، وجعل من (القمع كماشة تضغط على كل المسام وتقتل كل ما هو جميل وبريئ في الأنسان)
تشظي المحكي في رواية (الحب في زمن الشظايا)
بواسطة Unknown
on
11:59 م
القسم:
ليست هناك تعليقات: